اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
اسعد الله ايامكم
بغرة شهر ذي الحجة الحرام تطل علينا ذكرى سعيدة ومناسبة عظيمة كما في الروايات
واي مناسبة ففيها التقى نور الامامة ونور النبوة
متمثلا في شخص علي وفاطمة ليكونا اعظم واطهرسلالة من صلب آدم للائمة الطاهرة لتعم البركات ارجاء البلاد
كما يروى السيد الأمين في المجالس السَنيَّة ما مُلخَّصُه :
جاء الإمام علي ( عليه السلام ) إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وهو في منزل أم سلمة ، فَسَلَّم عليه وجلس بين يديه .
فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( أتَيْتَ لِحاجَة ؟ ) .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( نَعَمْ ، أتَيتُ خاطباً ابنتك فاطِمَة ، فهلْ أنتَ مُزوِّجُني ) .
قالت أم سلمة : فرأيت وجه النبي ( صلى الله عليه وآله ) يَتَهلَّلُ فرحاً وسروراً ، ثم ابتسم في وجه الإمام علي ( عليه السلام ) ، ودخل على فاطمة ( عليها السلام ) ، وقال ( صلى الله عليه وآله ) لها : ( إنَّ عَليّاً قد ذكر عن أمرك شيئاً ، وإني سألتُ رَبِّي أن يزوِّجكِ خَير خَلقه ، فما تَرَيْن ؟ ) .
فَسكتَتْ ، فخرَجَ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وهو يقول : ( اللهُ أكبَرُ ، سُكوتُها إِقرارُهَا ) .
فأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أَنَس بن مالك أن يجمع الصحابة ، ليُعلِنَ عليهم نبأ تزويج فاطمة للإمام علي ( عليهما السلام ) .
فلما اجتمعوا قال ( صلى الله عليه وآله ) لهم : ( إنَّ الله تَعالى أمَرَني أن أزوِّجَ فاطمة بنت خديجة من علي بن أبي طالب ) .
ثم أبلغ النبي ( صلى الله عليه وآله ) الإمام عليّاً بأنَّ الله أمَرَه أن يزوِّجه فاطمة على أربعمِائة مِثقال فِضَّة .
وكان ذلك في اليوم الأول من شهر ذي الحجَّة ، من السنة الثانية للهجرة .
فإن هذا الموقف النبوي المرتبط بالمشيئة الإلهية يستثير أمامنا سؤالاً مُهمّاً ، وهو : لماذا لم يُرخَّص لفاطِمَة بتزويجِ نَفسها ؟
ولماذا لم يُرخَّص للرسول ( صلى الله عليه وآله ) - وهو أبوها ونبيها -بِتزويجِها : ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) الأحزاب : 6 .
إلاَّ بعد أن نزل القضاء بذلك ؟
والجواب : لا بُدَّ أنَّ هناك سِر وحِكمة إلهية ترتبط بهذا الزواج ، وتتوقف على هذه العلاقة الإنسانية .
ولعل من تلك الحكم إرادة الله تعالى في تمتد ذرية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن طريق علي وفاطمة ، ويكون منهما الإمامان الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ، والذرية الطاهرة ، أئمةً وهُدَاة لهذه الأمة .
ولهذا الأمر والسر الخطير كان زواج فاطمة أمراً إلهيا لم يسبق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إليه ، ولم يتصرَّف حتى نزل القضاء ، كما صرَّح هو نفسه ( صلى الله عليه وآله ) بذلك .
لا كفؤ لفاطمة غير علي
وأهم ما يلفتنا في هذا الزواج هو ما جاء في الحديث المروي في كشف الغمّة عـن الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع) ـ وفي غيره روي عن النبي(ص) ـ قال(ع): "لولا أن الله تبارك وتعالى خلق أمير المؤمنين(ع) لفاطمة، ما كان لها كفؤ على وجه الأرض"[36].
فما هي هذه الكفاءة التي يقصدها الحديث الشريف؟
بالتأكيد ليست هي كفاءة النسب، لأنّ هناك أكثر من ابن عم للرسول (ص) ، وإنما هي كفاءة الروح وكفاءة العقل والفكر والإيمان، فقد كانت فاطمة من خلال إيمانها وعقلها وفكرها وروحها وطهرها وجهادها وزهدها، كفؤاً لعلي(ع) ، عليّ الذي كان في المستوى الأعلى من كل هذه الصفات والمعاني والقيم والآفاق التي تحلّّق مع الله سبحانه. لقد أمر الله رسوله(ص) بأن يزوّج الكفؤ بالكفؤ والطهر بالطهر، لأن هناك أكثر من نقطة يلتقيان عليها، كيف وقد تربّيا على يد رسول الله، ونهلا من معينه علماً وأخلاقاً وروحاً، وعاشا معه بما لم يعشه أي صحابي أو صحابية من أصحابه، فقد كانا معه في الليل والنهار، وكان(ص) ينطلق ليربيهما ويصنعهما على صورته استجابةً لنداء الله سبحانه {وأنذر عشيرتك الأقربين}[الشعراء:214]، وحتى عندما انكفأت عنه عشيرته وكل الناس، كان أقرب الناس إليه روحاً وإيماناً فاطمة وعلي(ع) . ومن هنا لاحظنا ـ من خلال التاريخ الواصل إلينا ـ أن ما عاشه علي من روح ومن انفتاح على الله ومن معرفة بالله، كانت تعيشه فاطمة(ع). ولو أننا درسنا عبادة علي وعبادة فاطمة لوجدنا أنهما يعيشان في المستوى نفسه من القرب لله والانفتاح عليه، والمعرفة بكل أسرار قدسه وصفاته وأسمائه.
وهنا يكمن سر قوله(ص): "لولا علي لما كان لفاطمة كفؤ".وبالالتفات إلى ذلك نفهم سرّ تمنّع رسول الله من تزويجها من أكابر الصحابة. وقد روى (الصدوق) في "عيون أخبار الرضا(ع)" بسنده عن أبي الحسن الرضا(ع) عن أبيه موسى الكاظم(ع) عن آبائه عن علي(ع) ـ وهذه هي سلسلة السند التي قال عنها الإمام أحمد بن حنبل "إنها لو قرئت على مجنون لأفاق"[37]، لأنها من إمام إلى إمام إلى إمام إلى علي(ع) إلى رسول الله(ص) ـ أنه قال: "قال لي رسول الله(ص): يا علي، لقد عاتبني رجال من قريش في أمر فاطمة وقالوا خطبناها إليك فمنعتنا وزوّجتها علياً، فقلت لهم والله ما أنا منعتكم وزوّجته، بل الله منعكم وزوّجه، فهبط عليّ جبرئيل فقال يا محمد، إن الله جلّ جلاله يقول لو لم أخلق علياً لما كان لفاطمة ابنتك كفؤ على وجه الأرض آدم فمن دونه"[38].
متباركين