فلسفة العزاء والمآتم الحسينية
الإمام الخميني الراحل ( قدس سره الشريف ) - من كتاب عاشوراء في فكر المرجعيات الشيعية/ هيئة أمير المؤمنين عليه السلام
لو بكينا على الإمام الحسين (عليه السلام) إلى الأبد فإن ذلك لن ينفعه شيئاً، بل ينفعنا نحن، وفضلاً عن نفعه لنا في الآخرة، فإن له في الدنيا من المنافع ما ترون، فلا يخفاكم ما له من الأهمية من الناحية النفسية والدور في تأليف القلوب وانسجامها.
إن البكاء على الشهيد يُعّــد إحياءٍ للنهضة وإدامة لها، والرواية الواردة "من بكى أو أبكى واحداً فله الجنة ومن تباكى فله الجنة" إنما تشير إلى أن حتى المتباكي يعمل عملاً من شأنه إدامة النهضة وحفظها، وهذا يصون نهضة الإمام الحسين (سلام الله عليه) ويديمها.
ورد في الرواية أن الإمام الباقر (عليه السلام)أوصى بأن يستأجر له من يرثيه بعد وفاته في منى لمدة عشرة أعوام. فهل أن الإمام الباقر (سلام الله عليه) كان بحاجة إلى ذلك؟ وماذا أراد الإمام الباقر (عليه السلام) أن يحقق من هذا البكاء؟ ولماذا في منى؟ وأي طراز من البكاء هذا؟ إن المهم في القضية هو الرثاء في منى، فحين يجتمع المسلمون في موسم الحج من كل أنحاء العالم في منى ويجلس شخص ليرثي الإمام الباقر (عليه السلام) ويوضح جرائم مخالفيه وأعدائه وقاتليه ولمدة عشر أعوام ويستمع الناس له، فإن ذلك يؤدي إلى توجيه اهتمام الناس نحو هذا المنهج وتقويته، وإثارة موجة من السخط والنقمة ضد الظالم ستؤدي إلى إضعافه.
قد يسمينا المتغربون بــ (الشعب البكّاء) ولربـما يقتنع البعض منا بتحقق هذا من أن الثواب المعطى لمن يذرف دمعةً من عينه، والثواب المترتب على إقامة مجلس للعزاء، ولا يستطيعون أن يتعقلوا الجزاء المعد لقراءة الأدعية والثواب المعد لمن يقرأ دعاءً ذا سطرين مثلاً. إن المهم في كل هذه الأمور، إنما هو البعد السياسي لهذه الأدعية وهذا التوجه إلى الله وتمركز أنظار الناس إلى نقطة واحدة وهدف واحد، وهذا هو الذي يعبئ الشعب باتجاه هدف أو غاية إسلامية معينة، فمجلس العزاء لا يهدف إلى تحقيق البكاء على سيد الشهداء (عليه السلام) والحصول على الأجر، وطبعاً إنّ هذا حاصل وقائم، ولكن الأهم من ذلك هو البعد السياسي للأمر، وهو ما خطط له أئمتنا (عليهم السلام) في صدر الإسلام كي يدوم حتى النهاية، وهو الاجتماع تحت لواء واحد وبفكر واحد، ولا يمكن لأي شيء آخر أن يحقق ذلك بالقدر الذي يفعله عزاء سيد الشهداء (عليه السلام).
إن تلك الفئة من رواد المساجد ممن يسمعون الخطابة ثم يغادرون المجلس بمجرد وصول الخطيب إلى ذكر المصيبة، إنما يفعلون ذلك لأنهم لا يدركون أهميتها. فذكر المصيبة والمراثي هو الذي صان المحراب وحفظ المنبر، ولولاها لما تسنى للخطيب أن يطرح ما يريده من المواضيع، ولولاها لما بقي للمنبر وجود يذكر.
لو فهموا الآثار التي تركتها أدعية الإمام السجاد (عليه السلام) الذي كان يعيش تحت ظل حكومةٍ مستبدةٍ جائرةٍ، تفرض سلطتها على كل مناحي الحياة، والذي كان قد فقد لتوّه كل أهل بيته وكيف تمكنت من القيام بدور المعبئ للشعب، لو فهموا ذلك لما قالوا لنا ما هي جدوى هذه الأدعية.
ولو كان مثقفونا يدركون الأبعاد السياسية والاجتماعية لهذه المجالس وهذه الأدعية والأذكار والنوائح لما قالوا لنا لِمَ تفعلون كل هذه الأمور وتتمسكون بها.
ينبغي لنا أن نبكي على شهيدنا ونصرخ ونعبئ الناس بالوعي واليقظة. وعلينا أن نُذَكِّرَ الناس بهذه النقطة وهي أن الثواب هو ليس كل ما نريده ونرجوه فقط، وإنما نريد أن نتقدم ونتطور.