أكثر من 1000 كتاب بين مطبوع ومخطوط هي الكتب التي ألفها الإمام المجدد السيد محمد الحسيني الشيرازي خلال مسيرته التي امتدت 75 عام.
شملت تلك الكتب مختلف مجالات الحياة وطرقت معظم أبواب المعرفة التي طرقها غيره وأخرى جديدة أحرز فيها قصب السبق مثل فقه الزهراء والحقوق والمرور والاجتماع والعولمة - ضمن موسوعة الفقه - وغيرها.
ورغم هذه الموهبة في التأليف والشمولية في الطرح والتنوع في المعرفة وقع له سوء فهم عند دائرة من الجمهور ومن هنا ظهر القول بأن مؤلفاته تفتقر إلى العمق وأنها تشبه المحيط الذي عمقه 1 سنتمتر وأنها مثال على السطحية والضحالة وكدليل على هذا الرأي يستشهد بمؤلفات مثل (كيف عرفت الله) و(هل تعرف الصلاة) و(الحجاب الدرع الواقي) و(القصص الحق)...
ولكن سوء الفهم هذا يأخذ طريقه إلى الزوال بإثبات حقيقة امتياز مؤلفات الإمام الشيرازي بمخاطبة مختلف المستويات والشرائح وعدم اقتصارها على مخاطبة النخب فقط وأن قلمه كتب للجميع كل بحسب درجة وعيه الفكري بخلاف العرف السائد في الحوزات والذي سار عليه مراجع التقليد الذين سبقوه وعاصروه.
ففي دراسة إحصائية قام بها السيد محمود الموسوي كتب قبل خاتمتها تحت عنوان المستويات العلمية التي ألف لها الإمام الشيرازي ما يلي:
"من المعروف أن الكتابة بحدّ ذاتها فن وصناعة تحتاج إلى الإتقان؛ هذا لأنها تندرّج ضمن مستوياتٍ من العطاء، وإلى مستويات من العقل الإنساني؛ فأدب الطفل مثلاً له خصوصياته وله متقنوه، وكذلك الأسلوب الثقافي الذي يخاطب الشريحة الأكبر من الناس، وكذلك فإن العلوم العقلية العميقة تحتاج إلى كتابة من نوع آخر.. ومن الصعب أن يجمع أحد بين اثنين أو أكثر، وقد وجدنا الكثير ممن كتب للمستويات العالية، كيف أنهم لم يتمكنوا من مخاطبة الجماهير، فضلاً عن الطفل، كتابياً، وكذلك من يكتبون للأطفال، فمن الصعب عليهم ممارسة الكتابة لغيرهم. والإمام الشيرازي في كتبه الـ(1065) تنوّع في توجيه الخطاب، حسب المستويات العلمية و الإدراكية للإنسان، وحيث أنه متبحّر في العلوم، فقد استطاع أن يهطل على كافة المستويات بكتاباته، كالغيث الذي يستوعب الجميع.
لقد كتب (قدس سره) للناشئة (67) كتاباً، بأسلوب مبسّط يفهمه الأطفال، ومن يخطون خطواتهم الأولى على طريق الوعي بالإسلام؛ ومنها: (كيف عرفت الله؟)، (هل تحب معرفة الله)، (القصص الحق.. عدّة أجزاء)، (هل تعرف الصلاة)، (ما هو الصيام)، (كيف نجاهد)، (أيّكم يعطي الخمس)، (العقائد الإسلامية)، (الطفل المسلم 4ج)..
كما كتب للشباب والمثقفين الكثير - وهي أكثر كتبه - وقد بلغ ما كتبه في هذا المجال (824) كتاباً؛ لأن أكثر القرّاء و المحتاجين للقراءة هم من هذه الطبقة. يعلل (قدس سره) اختياره في أكثر كتبه لهذا الأسلوب، في كتابه (أنفقوا لكي تتقدّموا) كما يلي: (إني في هذا الكتاب كسائر كتبي التي أكتبها للجماهير أختار الأسلوب البسيط، وأجعل الكتاب كالتكلّم في التفاهم والسلاسة، حتى ينفذ إلى الأعماق، ولعل الله ينفع به.. وقد شجعني على هذا الأسلوب.. الإقبال المنقطع النظير الذي لاقيته على كتبي التي أكتبها للجماهير بالإضافة إلى ما ذُكر في علم النفس من: ضرورة تحريك الجماهير بلغتهم، وقد اقتطفت من هذا الأسلوب، سواء في البيان أو القلم ثماراً طيّبة).
وقد قام الإمام الشيرازي أيضاً بتأليف الكتب التي تحاكي العلماء وأساتذة الحوزات العلمية و الفقهاء، في الفقه الاستدلالي (موسوعة الفقه 150ج) بجميع أبوابها العلمية المختلفة، كما كتب (الأصول)، (الوصائل إلى الرسائل)، (الوصول إلى كفاية الأصول)، (دراسات في الأصول)، (إيصال الطالب إلى المكاسب)، وغيرها.. وقد بلغت الكتب والحواشي العلمية، والكتب الفكرية ذات المستوى الراقي (110) كتاباً، غير الـ (150) كتاباً وهي عدد أجزاء الموسوعة، أي ما مجموعه (260) كتاباً للمستوى العلمي الرفيع." انتهى
http://www.mosawy.org/almosawy/moala...lem/maalim.htm
لكن تلك المقولة أخذت مداها في الترديد والانتشار وتحولت إلى أداة للتهريج حتى أطلق البعض على الإمام الشيرازي مسمى مرجع الأطفال بغرض الانتقاص منه كونهم - الأطفال - مثال الحاجة إلى البساطة في المعلومة والأسلوب.
ونحن نريد هنا أن نعالج هذه المسألة بأن نسأل هل يوجد مبرر موضوعي للكتابة إلى الأطفال أم أن الساحة الإسلامية في غنى من ناحية هذه المؤلفات؟
وحتى نصل إلى الجواب بشكل متسلسل فلندرس الكتب التي ضرب بها أصحاب القول المذكور المثل لإثبات مقولتهم وهي (كيف عرفت الله) و(هل تعرف الصلاة) و(الحجاب الدرع الواقي) و(القصص الحق) فقد ألفها الإمام الشيرازي للأطفال كما مر في الدراسة.
سنرى أن (كيف عرفت الله) تكرر طبعه باللغة العربية 3 مرات وترجم إلى اللغة الفارسية 3 ترجمات وطبع مكرراً أيضاً و(هل تعرف الصلاة) طبع 50 مرة آخرها طباعة دار صادق عام 1424 هـ - 2003 م وترجم إلى اللغات الفارسية والكردية والآذرية والانجليزية والتركية وأما (الحجاب الدرع الواقي) فقد طبع 7 مرات وترجم إلى اللغة الفارسية و(القصص الحق) الذي هو مجموعة قصصية مستلهمة من القرآن الكريم والروايات الشريفة حول الأنبياء الكرام طبع مكرراً في لبنان وترجم إلى اللغة الفارسية أيضا.
فماذا تعني هذه الحقائق والأرقام غير أن الساحة متعطشة إلى الكتاب الذي يخاطب الأطفال وأن الأطفال شريحة مهمشة من ناحية الاهتمام من جانب الحوزة.
وخذ على سبيل المثال لحاجات الأطفال المهمشة أن الشيعة ما يزالون يشتكون من التاريخ المزيف الذي يدرس إلى أطفالهم في المدارس الحكومية في العالم الإسلامي فهل فكرت الحوزات بالقيام بمسؤولية إعداد كتاب بشكل مدرسي يتعلم منه أطفال الشيعة التاريخ الصحيح؟
هذا ما فعله الإمام الشيرازي في كتابه (التاريخ الصحيح) لطلاب الصف الثاني والصف الثالث في مدرسة حفاظ القرآن الكريم بكربلاء قبل أكثر من أربعة عقود.
لم يمر في التاريخ أن فقيها نزل عن مستواه إلى مخاطبة الأطفال بمؤلفاته حسب مستواهم كما أقدم عليه الإمام الشيرازي وهذه ميزة تحسب لفكره وأخلاقه وموهبته وليست شينا ينقص من قدره أمام الله تعالى.
إن الرسول الـأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال (نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولها) وهؤلاء الأطفال من الناس وبما أن العلماء هم ورثة الأنبياء فهم مسئولون شرعا عن إيصال الفكر الصحيح إلى الأطفال وفق مستواهم الفكري والإمام الشيرازي بتجاوزه مخاطبة النخب أحيا جزءا من سيرة الأنباء في التعامل مع المجتمع على أرض الواقع.
ولكونه فقيها بالدرجة الأولى فعمقه العلمي أو عدمه يقاس بإنتاجه الفقهي ويستدل عليه بمقارنة كتبه التي كتبها في مجالات الفقه بكتب سائر الفقهاء وهؤلاء الفقهاء يهتمون بعلمين رئيسيين تقوم عليهما الدراسة في الحوزات العلمية هما أصول الفقه والفقه.
وأما هو ميزان العمق الفقهي والأصولي فهو مستوى التحقيقات وهي الدراسات العلمية لموضوع معين في علم الفقه أو الأصول وتبدأ بالبحث من النقطة التي انتهى إليها الآخرون من خلال تتبع أقوالهم وملاحقتها وتصنيفها ومناقشتها وإعطاء النتيجة أو - حسب تعبير الحوزويين - ابتداء من تحرير موضع النزاع وانتهاء بإعطاء النتائج.
وفي علم الفقه يعتبر فقه البيع والمكاسب المحرمة والخيارات والتجارة - ضمن موسوعة الفقه - من أعمق ما كتبه الإمام الشيرازي للفقهاء والمجتهدين وقد صرح بأعلميته عدد من كبار العلماء نظراً لهذه الكتب. ففي فقه البيع مثلاً توجد مناقشاته لآراء جهابذة العلماء كالشيخ والعلامة والآخوند والنائيني والأصبهاني والأيرواني والحكيم بشكل دقيق ورصين انتهاء بآرائه الخاصة.
وفي علم الأصول يعتبر كتابه (الأصول) من أقوى الكتب العلمية التي كتبها للفقهاء المتقدمين الذي لم يستطع البعض إلى الآن فهمه بسبب درجة عمقه وتعقيده.
وبعد مطالعة (موسوعة الفقه) وكتاب (الأصول) صرح بأعلميته عدد من الفقهاء في شهادات مكتوبة ومنشورة في أكثر من كتيب وكتاب.
ومن الناحية الإحصائية فكتب الإمام الشيرازي في هذين العلمين كثيرة جداً بين شرح وحاشية واستدلال وفتاوى وبحسب الدراسة المذكورة ألف الإمام الشيرازي 240 كتاباً في الفقه أي بنسبة 22% من مجموع مؤلفاته أما في أصول الفقه فقد ألف 50 كتاباً أي بنسبة 4.6% من مجموع مؤلفاته بما يعني أنه ألف في هذين العلمين 290 كتاباً بما يعادل 26.6% من مجموع مؤلفاته مما يتيح فرصة كبيرة لمن يريد القيام بدراسة علمية للمقارنة بين هذه المؤلفات وما ألفه الفقهاء الآخرون سعة وعمقا.
ولأن العمق مرتبط بقضية الاجتهاد فلابد هنا من الإشارة إلى أن أحدا ممن ادعى عدم اجتهاد الإمام الشيرازي لم يقدم دليلا علميا يثبت دعواه من هذه الكتب الفقهية والأصولية سواء على سبيل البينة أو الرد والمناقشة.
في الختام أود التذكير بأن سوء الفهم الذي حصل لدى دائرة من الجمهور عن المستوى العلمي لمؤلفات الإمام الشيرازي هو بسبب عدم أخذهم بعين الاعتبار الجمهور الذي يستهدفه الكتاب المعين من بين مئات الكتب التي ألفها فقد امتاز - كما مر - بمخاطبة مختلف الشرائح والمستويات كل حسب درجة وعيه الفكري خلاف العرف السائد في الحوزات وعند المرجعيات الدينية من مخاطبة النخب فقط.