.. بسم الله الرحمن الرحيم ..
انصرف الكثير من الناس عن قراءة القرآن الحكيم، واعتدنا أن نسأل عن المتوفى عند سماعنا لتلاوة القرآن، فلماذا هذا الانصراف، وكيف نسهم في عملية التقدم إلى القرآن الكريم؟
يجاب على السؤال الشيخ محمد العوامي
الانصراف ليس فقط عن قراءة القرآن بل عن أُمور كثيرة متعلّقة بالقرآن المجيد، وأُشير إلى بعض أنواع الانصراف:
1- الانصراف عن قراءته: فكما ذُكر في السؤال أصبحنا لا نعرف إلاّ صورةً واحدةً من قراءة القرآن وهي عندما يموت لنا ميّت نسمع آيات القرآن تتلى ونهرع بعدها لتلاوة بعض الآيات تلاوة سطحية عابرة في فواتح التعزية وفي ذلك الكفاية والتمام والسلام!
وهل هكذا كان الرسول وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين؟ كلاّ.. هذا رسول الله صلى الله عليه وآله يراه عمر بن الخطاب وهو محموم فيقول له: ما أشدّ وعكك أو حماك يا رسول الله، فيقول صلى الله عليه وآله: ما منعني ذلك أن قرأتُ البارحة ثلاثين سورةً فيهنّ السبع الطوال. [يعني سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة]..
والإمام علي بن موسى الرضا سلام الله عليه يقرأ القرآن كلَّه في كل ثلاثة أيام..
إذن هذه إحدى مشاكل الأمة في تعاملها مع القرآن، إنها لا تقرأه، وهذا دليل واضح على عدم الاهتمام بكتاب الخالق عز وجل إذ ممّا لا شك فيه أنّ قراءة القرآن الكثيرة هي من أوضح الأدلّة على حب القرآن والتعلّق به..
وأتذكر واحداً من الناس حضر للتعزية في إحدى الفواتح وأخذ جزءً من القرآن ليتلو بعض الآيات ولكنّه سرعان ما ترك القراءة وأخذ يتكلّم مع رجل عن يمينه وهو يضرب بيده اليسرى بأطراف الجزء على الأرض!! حتى هممتُ بالذهاب إليه وأخذ المصحف من يده لعدم احترامه له..
2- الانصراف عن استماع الآيات: وأتذكّر أني حضرتُ أحد المجالس في شهر رمضان وقارئ القرآن يتلو آيات الرحمن وفي المجلس صخب وضجيج فأكثر الموجودين وهم ينتظرون مجيء الخطيب يتكلّمون مع بعضهم، ولا أدري لمن يتلو القارئ المسكين آيات الكتاب!!
ألا يدلُّ ذلك على ضعف التعلّق بالقرآن وعدم معرفة قدره؟ مع أنّا نحفظ جميعاً قول الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204]، والمفروض وطبقاً لما تأمرنا به الآية الكريمة أنّا لا نسمع آيةً من القرآن وفي أيّ مكانٍ كان إلاّ ونصغي إليها بأسماعنا ونتوجّه إليها بقلوبنا لتكون لنا هدىً وشفاءً ورحمة..
3- الانصراف عن التدبر في آياته ودراسته وتعلُّم مسائله..
4- الانصراف عن حفظ سوره وآياته..
5- الانصراف عن الاستفادة منه في كثير من المحاورات ومجالس الحديث والنقاش..
وأمّا أسباب الانصراف عن كتاب الله فهي:
أولاً: الغفلة الحاكمة..
ثانياً: الانشغال بلهو الدنيا ولعبها والانجذاب نحو مغرياتها..
ثالثاً: الجهل وعدم معرفة قيمة القرآن العظيم فأصبحنا نقبل بكل جوانحنا على توافه الحياة بينما لا نقيم وزناً لكلام الله المجيد الذي قال عنه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: "فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه"..
وهذه الأسباب التي أدّت إلى هجران القرآن هي مشكلة كل الأُمم كما يبيّن القرآن في كثيرٍ من آياته، كقوله في مطلع سورة الأنبياء: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ، مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ، لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ} [الآيات: 1-3]، وفي مطلع سورة التكاثر: {أَلْهَكُمْ التَّكَاثُرُ، حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ} [الآيات: 1-2]. وكقوله تعالى في سورة الأعلى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [الآية: 16]..
ومن ذلك نعرف الإجابة على الشق الثاني من السؤال فالمجتمع يمكن أن يتقدّم نحو القرآن إذا تخلّص من الغفلة والجهل ومن الانجراف الكلي نحو الدنيا والإقبال المستمر على زينة الحياة التي لا يعرف سواها ولا الاستكثار إلاّ منها، وفي سبيل تحقيق ذلك لا بدّ:
1- من تثقيف الناس وتعليمهم وإرشادهم إلى أهمية القرآن وهدايتهم إلى عظمة قدره وضرورة التمسُّك به وعدم تضييعه..
2- ولا يتم ذلك إلاّ بإنشاء مؤسسات ودورات ولقاءات واحتفالات همُّها تقريب الناس من القرآن..
3- وتكثيف الكتابات والمحاضرات والمحاورات القرآنية..
4- وإيجاد كوادر قيادية ورجال قرآنيين همُّهم الدعوة إلى القرآن مع كونهم قدوات للآخرين في التعلق الواضح بالقرآن والتمسك بحبله..
المصدر: موقع القرآن نور..
أختكم..زهرة