استطلاع عن مركز النور بالقطيف ..

[أمونة المزيونة]

قبل عدة سنوات ودع معهد النور للمكفوفين بالقطيف آخر أيامه وأغلق أبوابه بعد خدمة دامت أكثر من ثلاثين عاما لفئة غير المبصرين تخرج خلالها العشرات من المدرسين والطلاب الذين اندمجوا في الحياة بطريقة أو بأخرى.وقد انتهت هذه المرحلة التي كانت ضرورية في ذلك الوقت، ورغم أن غالبية المكفوفين قبل إنشاء المعهد كانوا يتعاملون مع الحياة بروحية عالية إلا أن المعهد ساهم بدرجة كبيرة في ادخالهم مضمار التعليم ومكنهم من تخطي بعض الحواجز والمعوقات التي كانت تعترض سبيل حياتهم، واستطاع الكثير منهم الدفع بمسيرة حياته الى الأمام من خلال التعلم والتعليم.كان المعاقون بصريا يعيشون حالة من العزلة ولا يحبون الاختلاط مع المجتمع بسبب حاجز الإبصار، وكانت غالبيتهم يعتقدون أنهم فئة قليلة وعليهم القبول بالأمر الواقع، بينما قلة منهم كانوا منفتحين ومتفائلين ومقبلين على الحياة مندمجين مع المجتمع، لدرجة أنهم يتزوجون من نساء مبصرات ويعيشون معهن حياة عادية.
ففي عام 1416هـ جاء القرار بدمج الطلبة المعاقين بصريا مع المبصرين في تجربة بدأت في مدرسة المدينة الثانوية بالدمام ونجحت التجربة بشكل مذهل الأمر الذي أعطى دفعةكبيرة واتخاذ قرار دمج بقية المراحل، فرشحت مدرسة سعد بن عبادة المتوسطة لضم المرحلة المتوسطة ومدرسة جعفر الطيار الابتدائية لدمج المرحلة الابتدائية.
وفي عام 1422هـ سمي المعهد باسمه الجديد (مركز النور للخدمات التربوية) حيث لم يعد الاسم السابق يتماشى مع التطورات التي حدثت خلال السنوات الماضية. وجاءت هذه الخطوة مواكبة للتطور العالمي للمعاقين بصريا وترجمة لاستراتيجية الأمانة العامة للتربية الخاصة بالرياض والخاصة بدمج المعاقين في المجتمع وإعطائهم الفرصة للحصول على نصيبهم من التعليم في بيئة عادية في المدارس الحكومية.
ومع هذه الخطوة تحول المسمى الى مركز النور للخدمات التربوية واتخذ له مقرا في مدرس الكندي الابتدائية بسيهات وذلك من أجل المتابعة باعتبار سيهات منطقة وسط بين الدمام والقطيف حيث تنتشر برامج الدمج التي يتبعها المركز. ورغم أن مدرسة الكندي لا يوجد بها حاليا برامج الدمج المتبعة إلا أن المركز يتابع من خلال تواجده ـ كإدارة ـ هناك هذه البرامج عن كثب ويعطي التوجيهات اللازمة لها. وتزويد المدارس التي تنفذ برامج الدمج بما تحتاجه من مصادر وكتب ومستلزمات تعليمية من آلات ومعينات بصرية.
المعاق بصريا يواصل دراساته العليا
ويقول محمد العمير مدير مركز النور للخدمات التربوية انه لم يعد يقتصر تخرج المدرس من المركز كما كان في السابق مدرسا في نفس المعهد وإنما الآن يعتمد على طموح المدرس وأفقه، فيمكن أن يتخرج ويعمل في سنترال في أي شركة أو مصلحة حكومية أوخاصة، أو يتخرج مدرسا أو يواصل دراساته في الجامعة فيحصل على وظيفة أفضل.. وهكذا.
ويعتقد الكثير من الناس أن المعاقين بصريا لا يمكن أن يحصلوا على وظائف على مستوى عال ولكن هذا فيه تجن كبير على هذه الفئة التي بدأت تتطور وتحظى بمراكز عالية في الدولة، فهناك مثلا الدكتور صالح مهنا وهو من المتخصصين القلائل في شئون الحاسب الآلي للمكفوفين وهومدير ادارة العوق البصري بالأمانة العامة للتربية الخاصة بالرياض. وهناك أيضا د. ناصر الموسى مستشار وزير المعارف للشئون التعليمية والمشرف العام على التربية الخاصة. وهناك أيضا شاكر الخنيزي لديه ماجستير من أمريكا وحسن الفارس بكالوريوس لغة انجليزية وهما من المشرفين على برامج المركز في القطيف.
أين يوجد المعاقون بصريا؟
في ثانوية القطيف يوجد حاليا 7 طلاب موزعين على مختلف الفصول وفي متوسطة سعد بن عبادة بالقطيف يوجد 16 طالبا أيضا موزعون على مختلف الفصول وفي مدرسة جعفر الطيار الابتدائية بالقطيف يوجد 9 طلاب من مختلف مدن وقرى المحافظة.
نشاطات المعوقين بصريا..
عندما قمنا بزيارة مدرسة القطيف الثانوية حاولنا التعرف على نشاطات هذه الفئة والتي تتكون من 7 طلاب بعض الذين تتراوح حالاتهم من عدم ابصار كامل منذ الصغر الى عمى جزئي إلى عمى طارىء. ويعتبر هذا النوع الأخير من أصعب الأنواع حيث تعود الشخص الذي كان مبصرا ثم أصيب بالعمى على أن يتعامل مع الأشياء بطريقة مباشرة ويعرفها ولذلك يصعب على المدربين والمدرسين التعامل معه في البداية ويحتاج لوقت طويل ومن ضمن هذه الأمثلة الطالب زهير خليفة الذي أصيب بهذا الداء قبل حوالي ثلاث سنوات إلا أنه استطاع خلال السنتين الماضيتين تجاوز المرحلة المطلوبة وحقق انجازات طيبة خاصة في المجال الرياضي حيث يشترك في مسابقات جري ويحصد بعض الجوائز المتقدمة.
غرفة المصادر ليس التعليم مجردا
دخلنا غرفة المصادر والتي تعنى بتزويد الطلاب غير المبصرين ببعض المواد الأساسية التي لا يستطيع الطلاب ممارستها في الفصول الاعتيادية، وهذه المواد هي الرياضيات واللغة الانجليزية والعلوم. كما توجد في المدرسة مكتبة ناطقة تحوي مواد مختلفة توجيهية وتعليمية وتثقيفية.
ويقول المشرف على غرفة المصادر انهم لا يكتفون بالعملية التعليمية المحضة والتي تقدم في مدارس التعليم العام من حيث المناهج الدراسية والأنشطة، بل يقومون بالاتصال المباشر مع أسر المعوقين بصريا لتقديم التوعية الكاملة عنهم وكيفية التعامل معهم ومتابعتهم دراسيا وذلك من أجل أن تكون العملية تكاملية بين البيت والمدرسة، فالكثير من الأهالي لا يعرفون الطريقة السليمة للتعامل مع المعاق، ولذلك فمهمتنا أن نسهل عليهم هذا الأمر ولقد نجحنا بنسبة كبيرة.
ويقول علي الجشي : ان الظروف ليست ملائمة حاليا لإضافة هذه المواد في الفصل الاعتيادي خاصة أنه لا يتوافر مدرسون ومناهج خاصة لهذه الدروس لكي يندمجوا، ونتوقع في السنوات القادمة أن تتوافر الظروف لهذه الدروس. نحن نتمنى أن يندمج المعاقون بصريا مع اخوانهم وزملائهم في كافة الدروس لأن ذلك يسهل الأمور علينا كثيرا.
الحاسب الآلي من أهم النشاطات ثم دخلنا غرفة الحاسب الآلي حيث يوجد كمبيوتر عادي متصل بجهاز مخصص لاستعمالات المعوقين بصريا أحضرتهم المدرسة مؤخرا وهو جهاز تبلغ قيمته 24000 ريال، فيما تبلغ قيمة الطابعة حوالي 14000 ريال وهي طابعة مخصصة للاتصال بهذا الجهاز وتطبع الأوراق الخاصة بلغة برايل.
ويقول مدرس الحاسب الأستاذ علي الغزوي إن هذا الجهاز منفصل عن الكمبيوتر العادي ويستخدم مع بقية مكونات الكمبيوتر خاصة لوحة المفاتيح وله توصيلات خاصة ليتصل مع الكمبيوتر العادي مضيفا ان الاختبارات القادمة ستحتسب فيها الدرجات لمادة الحاسب من خلال هذا الجهاز وسيدخل في التقويم نافيا أن تكون هناك أي صعوبة في تعامل الطلبة معه، ويعطي مثالا على ذلك بالطالب مهدي عرفات وهو في الصف الاول الثانوي والذي أبدى استعدادا كبيرا للتعامل مع الجهاز حيث انه يستخدم الكمبيوتر في المنزل أصلا بمساعدة أحد أخوته وهو الآن ينطلق في استخدامات الكمبيوتر المختلفة ولن يكون هذا الجهاز عائقا بل بالعكس سيفتح له آفاقا كبيرة ويعتقد أنه يستطيع أن يطور نفسه من خلال هذا الجهاز.
ويضيف الغزوي انه جاهز لتطبيق استخدامات الجهاز على شبكة الانترنت ولكن المدرسة تفتقد الى خط هاتفي خاص لكي يستفيد المعوقون بصريا بسرعة من هذه الخدمة وناشد الجهات المختصة سرعة اتخاذ هذه الخطوة للاستفادة منها في وقت مناسب.
الرياضة أهداف وتطلعات
ثم تنقلنا مع زهر الزاهر مدرس الرياضة الى الغرفة المخصصة لبعض الألعاب الخاصة بالمعوقين بصريا وان كان أغلبها يمكن استخدامه من قبل الأفراد العاديين.
وتحاول المدرسة تهيئة الأجواء لهذه الألعاب لكي يمارسها الطالب في جو مفعم بالتفاؤل والأمل، ولا تقتصر الرياضات على الجانب البدني بل هناك محاولات جادة لتهيئة الطالب كي يعتمد على نفسه ويتخلص من المساعد الدائم، ويعتبر هذا من أحد أهم الأهداف في برنامج الدمج، ويضع مدرس الرياضة على كاهله هذه المهمة في إيصال ثقافة الاعتماد على النفس والتخلص من المساعد الى عقلية المعاق بصريا، ويقول إن جميع أنواع الاعاقات يستغني فيها المعاق عن المساعد ما عدا المعاق بصريا، ولذلك فمهمته شاقة ولكنه سعيد بها ويتوقع أن يقدم فيها خطوات خلال الفترة القادمة خاصة أن الطلبة يتعاونون معه بدرجة كبيرة.
كما يسعى مدرس الرياضة الى تدريب الطلاب على أساليب وطرق التنقل والحركة داخل المعهد وخارجه وذلك بالطبع بالتعاون مع بقية الأساتذة، ولكن كونه لديه الخبرة الكافية في هذا المجال فتلقى المسئولية على عاتقه.
ولعل من اهم الانجازات التي حققتها المدرسة حصولها على المركز الاول في كرة الهدف عام 2003م على مستوى المملكة, وكذلك المركز الاول على هامش سباق الجري الخيري الثامن.
وتعتبر لعبة الهدف من اهم الالعاب بالنسبة للمعوقين بصريا وهي لعبة عالمية تعتمد على مهارة اللاعب خاصة وان الكرة مزودة بجرس حتى يستطيع اللاعب التعامل معها وامساكها في وقت مناسب وبالتالي تمريرها الى زملائه او رميها باتجاه الهدف, وهناك خط معين لا ينبغي على اللاعب تجاوزه لانه في هذه الحالة ستحسب عليه نقطة.
وتعتبر لعبة الهدف من الالعاب المفضلة لديهم حيث انها تشعرهم بأهميتهم وانهم على مستوى من الحرفية ولا يقلون اهمية عن المبصرين اذ ان هذه الرياضة توازي كرة القدم او اليد بالنسبة للمبصرين. وشاركت المدرسة ايضا في كثير من الدورات والمسابقات الخاصة بالعاب القوى وحصدت الكثير من الجوائز على مستوى المملكة وعلى مستوى المناطق, آخرها المسابقة التي جرت في أبها حيث حصدت عدة جوائز وبعض المراكز الاولى سواء في الجري او رمي الرمح او الوثب الطويل.
وتحاول ادارة المدرسة ان تعزز نشاطاتها برحلات ترفيهية متعددة سواء الى اماكن وادارات مختلفة او رحلات خاصة داخل المنطقة الشرقية وخارجها والى الاماكن المقدسة لاداء مناسك العمرة, ولعل هذا الامر يجعل البقاء للتعلم في المدرسة ومواصلة التعليم مسألة فيها الكثير من المتعة والفائدة واشعار الطالب بانه دائم الاختلاط بالمجتمع وان هناك ما يشبه تبادل الخبرات والمنافع بين الجميع وكل فرد يحتاج لاخيه.
مدرسة جعفر الطيار من اولى المدارس التي طبقت البرنامج
ويقول سعود المطيري مدير مدرسة جعفر الطيار انها اول مدرسة على مستوى المملكة تطبق برامج الدمج, فقبل سبع سنوات بدأت في التطبيق وقد نجحت نجاحا كبيرا بفضل تعاون الاهالي وتصميم المدرسة بالتعاون مع مركز النور على انجاحه, وفي اول سنة حضر كل طاقم معهد النور بمدرسيه للاشراف على البرنامج, وما لبث ان طبق البرنامج في مدارس المتوسطة والثانوية.
ويؤكد ان هناك طلابا معاقين بصريا حصلوا على جوائز كثيرة بعضها افضل من المبصرين. اما الكمبيوتر فهو غير موجود حاليا في المدرسة ويتوقع ان يدخل الخدمة بداية السنة القادمة ويعتقد انه سيؤدي خدمات كبيرة وسيختصر عليها الكثير من المسافات.
ويقول شاكر الخنيزي مدير غرفة المصادر بالمدرسة ان اغلب الطلبة من فئة المعاقين بصريا يعانون في البداية العزلة الاجتماعية ولكننا نحرص على ان نبعدهم عن هذه الاجواء ومن المهم ان نجعلهم يندمجون مع بقية الطلبة والا فما فائدة برامج الدمج, مضيفا ان الطلبة عندما جاءوا في البداية لم يأتوا دفعة واحدة وانما الصفوف العليا في البداية وفي السنة الثانية حضر البقية.
وبالنسبة للطلبة الصغار هناك صعوبة نوعا ما في التعامل معهم ولكننا سرعان ما نستطيع تجاوز المشاكل التي تعترضنا في هذا السبيل. اما بقية الطلبة المبصرين فقد واجهنا مشكلة كبيرة في البداية لانهم لم يتعودوا على هذه الفئة وكانت لهم بمثابة الصدمة ان يجتمع المبصر والكفيف في مكان واحد وخاصة المدرسة فهذا صعب جدا.
دور وسائل الإعلام
لقد كان الطلبة في معهد النور سابقا يذهبون للمدرسة عند سن العاشرة فما فوق بسبب الاحراج الذي يعاني الاهالي منه, لانهم يعتقدون ان هذا الامر من العيب او الخطأ فلا احد يود ان يعرف ان لديه شخصا كفيفا او معاقا بصريا, اما الآن فتناقصت النسبة وسنويا يسجل في المدرسة اكثر الطلبة من سن السابعة.
مشددا على انه مازال في المجتمع اناس - رغم قلتهم - يعتبرون المعاق بصريا من العيوب التي يجب اخفاؤها, ونحن نسعى بكل ما اوتينا من مجهودات لان نبث الوعي في المجتمع من خلال الندوات واللقاءات والوسائل المتاحة وضرورة تعاون الناس وتعريفنا بالحالات الموجودة لديهم.
ويعتقد شاكر الخنيزي ان وسائل الاعلام مقصرة في ابراز هذا النشاط للمجتمع, لان دور الاعلام مهم جدا لانه يصل لكل بيت تقريبا خاصة وان بعض القرى لا يمكن الوصول اليها لشدة تحفظ الاهالي وابتعادهم عن الاضواء, وسواء بالنسبة للجرائد او التلفزيون او الراديو.. كلها وسائل ينبغي ان تلتفت لهذه الفئة ولهذه النوعية من البرامج التي تهدف الى ردم الهوة بين المعاقين بصريا واخوانهم المبصرين.

استطلاع جعفر الجشي (جريدة اليوم ) ..... ------------------------
مع محبتي :أمونةالمزيونة