عندما نراجع أحاديث أهل بيت النبوة – عليهم السلام – نجد فيها وصايا محورية عدة يوصون المؤمنين بها،
بهدف إعانتهم على الإنتفاع بالصورة المطلوبة من بركات القرآن الكريم وتحقيق الأهداف المرجوة من إنزاله وتيسيره للذكر...
ومن أهم هذه الوصايا توقير كتاب الله وتعظيمه، فما المقصود بذلك؟
*******
روي عن رسول الله – صلى الله عليه وآله – أنه قال: " ... يا حملة القرآن، تحببوا الى الله بتوقير كتابه، يزدكم حباً "
وقال – صلى الله عليه واله –: " القرآن أفضل كل شيء دون الله، فمن وقّر القرآن فقد وقّر الله ومن لم يوقر القرآن فقد إستخف بحرمة الله ".
وقال – صلى الله عليه وآله –: من أعطاه الله القرآن، فرأى أن أحدا أعطي شيئاً أفضل مما أعطي، فقد صغّر عظيماً وعظّم صغيراً ".
وقال – صلى الله عليه وآله –: من قرأ القرآن فظنّ أن أحدا أعطي أفضل مما أعطي فقد حقّر ما عظّم الله، وعظم ما حقّر الله ".
*******
لآية الله العارف السيد روح الله الخميني – رضوان الله عليه – كلمة قيمة في بيان آثار تعظيم القران وتوقيره
حسب تعبير الأحاديث الشريفة، ففي كتابه القيم (آداب الصلاة) عدّ تعظيم كتاب الله وإحترامه من الآداب العامة المهمة لتلاوته
وقال: " إن الإلتزام بهذا الأدب يؤدي الى ظهور الثمار الطيبة لتلاوته ويولد نورانية القلب وحياة باطن الإنسان " .
أما بالنسبة الى كيفية ترسيخ الشعور بعظمة كتاب الله في القلب فهو التدبر في عظمة منزله الله جل وعلا،
وعظمة النازل به وهو سيد الملائكة جبرئيل الأمين – عليه السلام – وعظمة المرسل به وهو سيد الرسل وصفوة الخلائق أجمعين
محمد المصطفى –صلى الله عليه وآله -، وكذلك عظمة عدله والثقل الملازم له وهم أئمة العترة المحمدية الطاهرة – صلوات الله عليهم أجمعين –...
هذا أولاً وثانياً التفكر في عظمة آثاره وبركاته وسمو مضامينه وأهدافه وكثرة وجوه إعجازه،
وكذلك محورية دوره في ضمان السعادة الحقة للإنسان في الدنيا والآخرة.
*******
ولا يخفى عليكم أن للإستشعار الوجداني بعظمة القرآن الكريم تأثيراً قوياً في دفع الإنسان للإقبال على تلاوته والإنتفاع به
وإثارة النوازع الفطرية في حب العظيم والإجتهاد في إستحصال الخير الحقيقي منه.
إن تعظيم الله جل جلاله هو جوهر العبادة، وتعظيم كتابه العزيز هو – ولا شك – من مصاديق تعظيم منزله جل وعلا
وبالتالي فهو من مصاديق العبادة الحقيقية.
وتنوير القلب وتطهيره من أهم آثار العبادة الحقيقية، ولذلك فإنّ من الطبيعي أن يكون لتعظيم كتاب الله تأثير
في تنوير قلب المؤمن وجعله حياً يلقي السمع لما يقوله الله تعالى وهو شهيد وبذلك يحصل على ثماره الطيبة.
*******
أيها الأخوة والأخوات...
يستفاد من تجارب وكلمات أهل المعرفة والسير والسلوك الى الله عزوجل أن تعظيم القرآن الكريم أحد الشروط الأساسية
لتأهل قارئ القرآن لأن تفتح له آفاق الكشف والمعارف الشهودية أثناء تلاوته لكتاب الله.
لاحظوا ما ينقله آية الله الشيخ العارف محمد تقي الآملي – رضوان الله عليه – بهذا الشأن،
قال: " كنت أحضر الدرس الفقهي لسيد العرفاء آية الله علي القاضي، وقد سألته يوماً – وكان الطقس بارداً جداً -:
نحن نقرأ ونسمع أن بعض قراء القرآن الكريم تفتح لهم أثناء تلاوته آفاق الغيب ويتجلى لهم بأسراره،
لكننا لا نجد لذلك أثراً ونحن نتلو القرآن، فلماذا؟ "
فنظر السيد القاضي الى وجهي،
ثم قال: نعم، أولئك يتلون القرآن بآداب خاصة، يستقبلون القبلة وهم حاسروا الرؤوس، ويرفعون القرآن بكلتا اليدين ويصغون لما يتلونه منه
بكل وجودهم، وهم يعرفون ويستشعرون عظمة من يقفون في محضره. أما أنت، فانك تتلو القرآن وقد وضعته على الأرض تنظر اليه
وأنت تحت لحاف الكرسي [ وهو جهاز قديم كان يستخدم للتدفئة ] وقد غطيت بدنك الى الكتفين...
يقول العارف الآملي: لقد صدق السيد، لقد كنت أقرأ القرآن بكثرة وأنا على هذه الحالة التي وصفها السيد ‼
*******
جعلنا الله وإياكم إخوتنا من أهل تعظيم كتاب الله وتوقيره والفائزين بعظمة بركاته.
والى محور نورني آخر (من بركات القرآن) نستودعكم الله ودمتم بكل خير.
تحياتي السماوية
عاشق السماء