New Page 1
قديم 26-02-03, 10:17 PM   #1

لجين
اسم الضمير

 
الصورة الرمزية لجين  







رايق

عوائق صعود الاعمال:


بالذنوب يفقد الانسان حلاوة الذكر:
ولذكر الله حلاوة في القلوب المؤمنة، ليس فوقها حلاوة، فإذا انتكس القلب فقد هذه الحلاوة، ولم يعد يتذوق حلاوة الذكر، كالمريض الذي تنتكس سلامته فيفقد شهيّة الطيبات، لا لان الطيبات فقدت طيبها، ولكن لان المريض فقد الشهية إليها، كذلك القلوب إذا انتكست فقدت حلاوة ذكر الله، ولم يعد لذكر الله تعالى لديها حلاوة وجاذبية.

في الحديث: «إن الله أوحى الى داود أن ادنى ما أنا صانع بعبد غير عامل بعلمه من سبعين عقوبة باطنية أن انزع من قلبه حلاوة ذكري»[221].

وجاء رجل الى أمير المؤمنين(عليه السلام)، فقال: «يا أمير المؤمنين، إني قد حرمت الصلاة بالليل.

فقال(عليه السلام): أنت رجل قد قيدتك ذنوبك»[222].

وعن الامام الصادق(عليه السلام):

«إن الرجل يذنب الذنب، فيحرم صلاة الليل، وإن العمل السيئ اسرع في صاحبه من السكين في اللحم»[223].

الذنوب التي تحبس الدعاء:
اذن انقطاع القلب عن الله من المردودات المباشرة للذنوب، وإذا انقطع القلب عن الله فلا يأخذ ولا يعطي.

و(الدعاء) مما يرفعه الانسان الى الله تعالى. ولذلك قلنا: إنه (القرآن الصاعد) الذي يرفعه العبد الى الله، بعدما يستقبل من عندالله (القرآن النازل)، فإذا انقطع الانسان عن القرآن النازل انقطع بالضرورة عن القرآن الصاعد، فيحبس عن الدعاء، ولا يتوفق له. وحتى إذا ألحّت عليه الضرورات ودعا الله تعالى حبس الله تعالى دعاءه عن الصعود ولم يجد الاستجابة.

روي عن علي(عليه السلام): «المعصية تمنع الاجابة».

وسأل رجل عليّاً(عليه السلام) عن قوله تعالى: (ادعوني استجب لكم): «ما لنا ندعو فلا يستجاب لنا؟ قال(عليه السلام): فأي دعاء يستجاب لكم، وقد سددتم أبوابه وطرقه، فاتقوا الله وأصلحوا اعمالكم، وأخلصوا سرائركم، واؤمروا بالمعروف، وانهو عن المنكر، فيستجيب الله دعاءكم»[224].

وعن علي بن الحسين زين العابدين(عليه السلام): «والذنوب التي تردّ الدعاء، وتظلم الهواء عقوق الوالدين»[225].

وفي رواية اخرى: «والذنوب التي ترد الدعاء: سوء النية، وخبث السريرة، والنفاق، وترك التصديق بالاجابة، وتأخير الصلوات المفروضات حتى تذهب اوقاتها، وترك التقرب إلى الله عزّوجلّ بالبر والصدقة، واستعمال البذاء والفحش في القول»[226].

وعن أبي جعفر الباقر(عليه السلام):

«إن العبد يسأل الله الحاجة، فيكون من شأنه قضاؤها الى اجل قريب، فيذنب العبد ذنباً، فيقول الله تبارك وتعالى للملك: لا تقض حاجته، واحرمه إياها، فإنه تعرض لسخطي واستوجب الحرمان مني»[227].

(عوائق) و(عوامل) صعود الاعمال:
في النصوص الاسلامية ورد ذكر للـ (عوائق عن صعود الاعمال) ولـ(عوامل صعود الاعمال).

ولكليهما علاقة مباشرة بعمل الانسان، إلاّ أن (العوائق) تعيق صعود الاعمال إلى الله تعالى، و(العوامل) تعين على صعود الاعمال الى الله.

وفيما يلي نستعرض نموذجاً واحداً من النصوص الواردة في (العوائق)، ونموذجاً واحداً من النصوص الواردة في (العوامل) من دون توضيح وتعليق، ونترك الشرح والتعليق في هذه المسألة المهمة في الثقافة والتربية الاسلامية الى مجال مناسب إن شاء الله.

عوائق صعود الاعمال:
روى الشيخ أبو جعفر محمّد بن أحمد بن علي القمي نزيل الري في كتابه المنبئ عن زهد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، عن عبد الواحد عمن حدثه عن معاذ بن جبل قال: «قلت: حدثني بحديث سمعته من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وحفظته من دقة ما حدثك به. قال: نعم، وبكى معاذ ثم قال: بأبي وأمي حدثني وأنا رديفه فقال: بينا نسير إذ رفع بصره الى السماء فقال: الحمدلله الذي يقضي في خلقه ما أحب، ثم قال: يا معاذ، قلت: لبيك يا رسول الله وسيّد المؤمنين. قال: يا معاذ، قلت: لبيك يا رسول الله امام الخير ونبي الرحمة، فقال: اُحدثك شيئاً ما حدث به نبي امته إن حفظته نفعك عيشك، وإن سمعته ولم تحفظه انقطعت حجتك عند الله، ثم قال: إن الله خلق سبعة املاك قبل أن يخلق السماوات فجعل في كل سماء ملكاً قد جللها بعظمته، وجعل على كل باب من أبواب السماوات ملكاً بواباً، فتكتب الحفظة عمل العبد من حين يصبح الى حين يمسي، ثم ترتفع الحفظة بعمله وله نور كنور الشمس حتى إذا بلغ سماء الدنيا فتزكيه وتكثره فيقول الملك: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، انا ملك الغيبة، فمن اغتاب لا أدع عمله يجاوزني الى غيري. أمرني بذلك ربي.

قال(صلى الله عليه وآله وسلم): ثم تجيء الحفظة من الغد ومعهم عمل صالح، فتمر به فتزكيه وتكثره حتى تبلغ السماء الثانية فيقول الملك الذي في السماء الثانية: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه انما أراد بهذا عرض الدنيا، انا صاحب الدنيا لا أدع عمله يتجاوزني الى غيري.

قال: ثم تصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجاً بصدقة وصلوة فتعجب به الحفظة، وتجاوز به الى السماء الثالثة، فيقول الملك: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه وظهره، انا ملك صاحب الكبر، فيقول: إنه عمل وتكبر على الناس في مجالسهم. امرني ربي ان لا أدع عمله يتجاوزني الى غيري.

قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد يزهر كالكوكب الدري في السماء له دوي بالتسبيح والصوم والحج، فتمر به الى السماء الرابعة فيقول له الملك: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه وبطنه، انا ملك العجب، انه كان يعجب بنفسه أنه عمل وأدخل نفسه العجب. امرني ربي أن لا أدع عمله يتجاوزني الى غيري.

قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد كالعروس المزفوفة الى اهلها، فتمر به الى ملك السماء الخامسة بالجهاد والصلوة ]والصدقة[ ما بين الصلاتين، ولذلك العمل رنين كرنين الابل وعليه ضوء كضوء الشمس، فيقول الملك: قفوا انا ملك الحسد، واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، واحملوه على عاتقه; انه كان يحسد من يتعلم أو يعمل لله بطاعته، وإذا رأى لاحد فضلاً في العمل والعبادة حسده ووقع فيه، فيحمله على عاتقه ويلعنه عمله.

قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد من صلاة وزكاة وحج وعمرة فيتجاوزون به الى السماء السادسة، فيقول الملك: قفوا انا صاحب الرحمة واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، واطمسوا عينيه لان صاحبه لم يرحم شيئاً. إذا اصاب عبداً من عباد الله ذنب للاخرة أو ضر في الدنيا شمت به. امرني به ربي أن لا أدع عمله يجاوزني.

قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد بفقه واجتهاد وورع وله صوت كالرعد، وضوء كضوء البرق، ومعه ثلاثة آلاف ملك، فتمر به الى ملك السماء السابعة، فيقول الملك: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه انا ملك الحجاب أحجب كل عمل ليس لله; إنه أراد رفعة عند القواد، وذكراً في المجالس وصيتاً في المدائن. امرني ربي أن لا أدع عمله يتجاوزني الى غيري ما لم يكن لله خالصاً.

قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجاً به من صلوة وزكوة وصيام وحج وعُمرة وحسن الخلق وصمت وذكر كثير، تشيعه ملائكة السماوات والملائكة السبعة بجماعتهم، فيطؤون الحجب كلّها حتى يقوموا بين يديه سبحانه، فيشهدوا له بعمل ودعاء فيقول: انتم حفظة عمل عبدي، وانا رقيب على ما في نفسه. إنه لم يردني بهذا العمل. عليه لعنتي. فيقول الملائكة: عليه لعنتك ولعنتنا. قال: ثم بكى معاذ قال: قلت: يا رسول الله، ما اعمل وأخلص فيه؟ قال: اقتد بنبيك يا معاذ في اليقين. قال: قلت: انت رسول الله وانا معاذ. قال: وإن كان في عملك تقصير يا معاذ فاقطع لسانك عن اخوانك، وعن حملة القرآن، ولتكن ذنوبك عليك لا تحملها على اخوانك، ولا تزك نفسك بتذميم اخوانك، ولا ترفع نفسك بوضع اخوانك، ولا تراء بعملك، ولا تدخل من الدنيا في الاخرة; ولا تفحش في مجلسك لكي يحذروك لسوء خلقك، ولا تناج مع رجل وانت مع آخر، ولا تعظم على الناس فتنقطع عنك خيرات الدنيا، ولا تمزق الناس فتمزقك كلاب أهل النار; قال الله تعالى: (والناشِطاتِ نَشْطاً)[228] أفتدري ما الناشطات؟ إنها كلاب أهل النار تنشط اللحم والعظم. قلت: ومن يطيق هذه الخصال؟ قال: يا معاذ، إنه يسير على من يسره الله تعالى عليه. قال: وما رأيت معاذاً يكثر تلاوة القرآن كما يكثر تلاوة هذا الحديث»[229].

عوامل صعود الاعمال الى الله
وفي مقابل العوائق هناك (عوامل) لصعود الاعمال الى الله ترفع العمل الى الله، حيث يعجز العمل عن الصعود وهذه (العوامل) تقع في مقابل (العوائق). وقد ورد ذكر طائفة من هذه العوامل في رواية نبوية شريفة يلوح عليها نور النبوة وهدى الوحي، نذكرها بتمامها برواية العلامة المجلسي(رحمه الله) في بحار الانوار عن الصدوق في الامالي:

روى الصدوق في الامالي عن سعيد بن المسيب، عن عبدالرحمن بن سمرة، قال: «كنا عند رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً فقال: إني رأيت البارحة عجائب، قال: فقلنا: يا رسول الله، وما رأيت؟ حدثنا به فداك أنفسنا وأهلونا وأولادنا فقال:

رايت رجلاً من اُمتي وقد أتاه ملك الموت ليقبض روحه، فجاءه برّه بوالديه فمنعه منه.

ورأيت رجلاً من اُمتي قد بسط عليه عذاب القبر، فجاءه وضوؤه فمنعه منه.

ورأيت رجلاً من اُمتي قد احتوشته الشياطين، فجاءه ذكر الله عزّوجلّ فنجاه من بينهم.

ورأيت رجلاً من اُمتي يلهث عطشاً كلما ورد حوضاً منع، فجاءه صيام شهر رمضان فسقاه وأرواه.

ورأيت رجلاً من اُمتي والنبيون حلقاً حلقاً كلما أتى حلقة طردوه، فجاءه اغتساله من الجنابة فأخذ بيده فأجلسه الى جنبهم.

ورأيت رجلاً من اُمتي بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن شماله ظلمة ومن تحته ظلمة مستنقعاً في الظلمة، فجاءه حجه وعمرته فأخرجاه من الظلمة وأدخلاه النور.

ورأيت رجلاً من اُمتي يكلم المؤمنين فلا يكلمونه، فجاءه صلته للرحم فقال: يا معشر المؤمنين، كلموه فإنه كان واصلاً لرحمه، فكلمه المؤمنون وصافحوه وكان معهم.

ورأيت رجلاً من اُمتي يتقي وهج النيران وشررها بيده ووجهه، فجاءته صدقته فكانت ظلاً على رأسه وستراً على وجهه.

ورأيت رجلاً من اُمتي قد أخذته الزبانية من كل مكان، فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فخلصاه من بينهم وجعلاه مع ملائكة الرحمة.

ورأيت رجلاً من امتي جاثياً على ركبتيه بينه وبين رحمة الله حجاب فجاءه حسن خلقه فأخذ بيده فأدخله في رحمة الله.

ورأيت رجلاً من اُمتي قد هوت صحيفته قبل شماله فجاءه خوفه من الله عزّوجلّ فأخذ صحيفته فجعلها في يمينه.

ورأيت رجلاً من اُمتي قد خفت موازينه، فجاءه أفراطه فثقلوا موازينه.

ورأيت رجلاً من اُمتي قائماً على شفير جهنم، فجاءه رجاؤه في الله عزّوجلّ فاستنقذه من ذلك.

ورأيت رجلاً من اُمتي قد هوى في النار، فجاءته دموعه التي بكي من خشية الله فاستخرجته من ذلك.

ورأيت رجلاً من اُمتي على الصراط يرتعد كما ترتعد السعفة في يوم ريح عاصف، فجاءه حسن ظنه بالله فسكن رعدته ومضى على الصراط.

ورأيت رجلاً من اُمتي على الطراط، يزحف أحياناً ويحبو احياناً ويتعلق احياناً، فجاءته صلاته عليّ فأقامته على قدميه ومضى على الصراط.

ورأيت رجلاً من اُمتي انتهى الى أبواب الجنة كلما انتهى الى باب أغلق دونه، فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله صادقاً بها ففتحت له الابواب ودخل الجنة»[230].

الوسائل التي نبتغيها إلى الله في الـدعاء
وما دمنا قد تحدثنا عن (العوائق) و(العوامل) فمن المفيد أن نتحدث عن (الوسائل) التي نبتغيها الى الله تعالى في الدعاء.

فإنّ الله تعالى يدعونا أن نبتغي إليه الوسيلة.

يقول تعالى: (اُولئكَ الّذينَ يَدعونَ يَبتغُونَ إلى ربِهمُ الوسيلةَ)[231].

ويقول تعالى: (يا أيُّها الّذينَ آمنوا اتقوا الله وابتَغوا إليه الوسيلةَ)[232].

وقد جعل الله تعالى هذه الوسائل لعباده الذين تعجز أعمالهم وأدعيتهم عن الصعود إليه رحمة بهم، وهو أرحم الراحمين.

فإن الله تعالى يقول: (إليهِ يَصعَدُ الكَلِمُ الطيّبُ والعَمَلُ الصّالحُ يَرفَعُه)[233].

إنّ في حياة الانسان (كلماً طيباً) و(عملاً صالحاً).

و(الكلم الطيب) هو إيمان الانسان بالله، وإخلاصه له تعالى، وثقته ورجاؤه به، ودعاؤه وتضرعه بين يديه.

و(العمل الصالح) هو العمل الذي يقوم به الانسان عن (إيمان)، و(إخلاص)، و(ثقة)، و(رجاء).

و(الكلم الطيب) يصعد الى الله بصريح القرآن، ولكن (العمل الصالح) هو الذي يرفع الكلم الطيب الى الله، بصريح القرآن كذلك.

ولولا (العمل الصالح) لم (يصعد الكلم الطيب) الى الله، إلاّ انّه قد يكون في (العمل الصالح) عجز وضعف، فلا يستطيع أن يرفع (الكلم الطيب الى الله)، فلا يصعد دعاء الانسان الى الله، ولا يستجاب دعاؤه.

فيجعل الله تعالى في حياة الانسان وبيده (وسائل) يبتغيها إليه، تعينه في الصعود إليه، رحمة بعباده.

ولو لا هذه الوسائل لم يتمكن من أن يرفع دعاءه وتضرعه الى الله.

وهذه هي الوسائل التي يشير اليها القرآن.

ومن هذه الوسائل دعاء رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) واستغفاره لاُمّته.

يقول تعالى: (ولَو أنَّهمْ إذْ ظَلمُوا أنفُسَهمْ جاءُوك فاستَغْفَروا اللهَ واستغْفَرَ لَهمُ الرّسولُ لَوجَدوا اللهَ تَوّاباً رَحيماً)[234].

والاية الكريمة واضحة في أن استغفار رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)للمؤمنين، من الوسائل التي رغّب الله تعالى عباده أن يبتغوها وسيلة إليه في الدعاء والاستغفار.

وما يقال عن المجيء الى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) واستغفاره للمؤمنين في حياته(صلى الله عليه وآله وسلم)يقال بعد وفاته(صلى الله عليه وآله وسلم)، فإن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) حي يرزق عند الله بعد وفاته.

التوسل برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته:
وفي النصوص الاسلامية ورد التأكيد كثيراً على التوسل برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأهل بيته(عليهم السلام).

روي عن داود البرقي قال: «إنّي كنت أسمع ابا عبد الله(عليه السلام) أكثر ما يلحّ في الدعاء على الله بحقّ الخمسة، يعني رسول الله، وأمير المؤمنين، وفاطمة، والحسن، والحسين(عليهم السلام)»[235].

وعن سماعة: «قال لي ابو الحسن(عليه السلام): إذا كان لك يا سماعة الى الله حاجة فقل: اللّهم اني أسألك بحق محمّد وعلي، فإن لهما عندك شأناً من الشأن وقدراً من القدر، وبحق ذلك القدر ان تصلي على محمّد وآل محمّد وان تفعل بي كذا وكذا»[236].

الوسائل الى الله في دعاء كميل:
في دعاء كميل نجد طائفة من الوسائل التي يتوسل بها الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الى الله في الدعاء.

وهذه الوسائل هي الشطر الثاني من الدعاء، ولكي نتحدث عن الوسائل التي يقدمها الامام(عليه السلام) بين يدي دعائه وحاجاته الى الله في هذا الدعاء الشريف، لابدّ أن اُقدم توضيحاً موجزاً عن هيكل الدعاء، والافكار الرئيسة التي تضمنها، والمنهج الذي تنتظم من خلاله الافكار الرئيسة المطروحة في هذا الدعاء الشريف.

فإن لكل واحد من نصوص الادعية المعروفة المأثورة عن أهل البيت افكاراً محددة، ومنهجية معينة لتنظيم هذه الافكار، وطريقة للدخول والخروج من الدعاء.

ولكل واحد من الادعية المعروفة هيكل وتصميم خاص به، ودراسة هذه المناهج تنفعنا في معرفة اساليب الدعاء والمناجاة مع الله.

إن لكل دعاء فكرة اساسية رئيسة، ومجموعة افكار تحتضن هذه الفكرة، ومطلباً أساسياً ومجموعة مطالب اخرى تحتضن المطلب الاساسي، ومنهجاً في السؤال واسلوباً في الدخول والخروج.

ولو أن العلماء أولوا هذه المسألة اهتماماً علمياً كافياً لخرجوا بنتائج مفيدة.

ولست اُريد الان أن اقدم دراسة عن تصميم دعاء كميل وهيكله والافكار الاساسية فيه، وإنما اُريد أن اقدم فقط توضيحاً موجزاً للاطار العام، والافكار الرئيسة لهذا الدعاء بصورة موجزة لنتأمل من خلال هذا الاطار في الوسائل التي يقدمها الامام(عليه السلام) بين يدي حاجاته الى الله في هذا الدعاء.

الاطار العام لدعاء كميل:
دعاء كميل من الادعية الجليلة المعروفة في أوساط المؤمنين، يواظبون عليه ليالي الجمعة، ويقرأونه بصورة جمعية أو فردية.

وهذا الدعاء لامير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) علّمه لكميل بن زياد النخعي(رحمه الله)، وتلقاه المؤمنون عن هذا الطريق جيلاً بعد جيل.

وهذا الدعاء غني بمفاهيم العبودية والتوبة والاخبات وزاخر بصور حيّة من التضرع والاستغاثة والانابة.

ولست في هذه التأمّلات بصدد شرح هذا الدعاء الشريف والمفاهيم التي يزخر بها، فذلك امر يطول ولعل الله تعالى يرزقني توفيق ذلك ويهيئ لي اسبابه.

اما الان فأنا بصدد توضيح هيكل الدعاء، فإن هذا الدعاء مصمم تصميماً خاصاً على ثلاث مراحل، كلّ مرحلة منها تعد للمرحلة التالية لها، وفهم هذا التصميم والاُسس التي يقوم عليها هيكل الدعاء يعيننا كثيراً على قراءة الدعاء وتأمل مفاهيمه والافكار الواردة فيه، والتفاعل معه.

ولعل الله تعالى يجعل هذا الجهد نافعاً ومفيداً للمؤمنين الذين اعتادوا قراءة هذا الدعاء.

فكرة تصميم الدعاء:
كما ذكرنا، هذا الدعاء مصمم على ثلاثة مراحل:

المرحلة الاولى: بحكم المدخل الى الدعاء، تعد الداعي للوقوف بين يدي الله وللدعاء والتضرع والسؤال; فإن الذنوب والمعاصي تحجب الانسان عن الله، وتحبس الدعاء، ولكي يقف الانسان بين يدي ربّه موقف الدعاء لابدّ أن يجتاز هذه العقبة أولاً.

وفي هذا المدخل يبدأ عليّ(عليه السلام) بطلبين من الله.

احدهما طلب المغفرة من الله «اللّهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم. اللّهم اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم....» هذا ما يتعلق بطلب المغفرة.

والاخر طلب الذكر والشكر والقرب فيقول: «وأسألك بجودك أن تدنيني من قربك، وأن توزعني شكرك، وأن تلهمني ذكرك».

ولابدّ للانسان، لكي يتقدم للوقوف بين يدي الله للدعاء، من هذا وذاك معاً. ولابدّ أن يغفر الله له ذنوبه، ويزيل عن قلبه الحجب والغشاوات أولاً، ولابدّ من أن يأذن الله له أن يدنو منه ويوزعه شكره ويلهمه ذكره ثانياً.

وهذه هي الفقرة الاولى من المدخل في هذا الدعاء.

والفقرة الثانية من المدخل عرض للفاقة والحاجة والرغبة الى الله «اللّهم وأسألك سؤال من اشتدت فاقته، وانزل بك عند الشدائد حاجته، وعظم فيما عندك رغبته» وليس من الله مفر، وليس الى غيره ملجأ.

وهاتان حقيقتان:

أ ـ ليس من الله مفر: «اللّهم عظم سلطانك، وعلا مكانك، وخفي مكرك، وظهر أمرك، وغلب قهرك، وجرت قدرتك، ولا يمكن الفرار من حكومتك».

ب ـ وليس الى غيره ملجأ: «اللّهم لا أجد لذنوبي غافراً، ولا لقبائحي ساتراً، ولا لشيء من عملي القبيح بالحسن مبدلاً غيرك لا اله إلاّ انت».

وهذه هي الفقرة الثانية من المدخل.

وفي الفقرة الثالثة من المدخل يستعرض علي(عليه السلام) بؤس الانسان وشقاءه الطويل «اللّهم عظم بلائي، وافرط بي سوء حالي، وقصرت بي أعمالي، وقعدت بي أغلالي، وحبسني عن نفعي بعد املي، وخدعتني الدنيا بغرورها، ونفسي بجنايتها ومطالي يا سيدي».

ولهذا البؤس والشقاء اسباب من عمل الانسان وسعيه، فيسأل الله تعالى أن يهب له هذه الذنوب، ولا يسمح لها أن تحجبه عن الدعاء.

«فأسألك بعزتك، أن لا يحجب عنك دعائي سوء عملي وفعالي، ولا تفضحني بخفي ما اطلعت عليه من سري، ولا تعاجلني بالعقوبة على ما عملته في خلواتي من سوء فعلي وإساءتي ودوام تفريطي وجهالتي، وكثرة شهواتي وغفلتي».

وفي الفقرة الرابعة من المدخل تكريس لمفهوم جليل سبق أن اُشير إليه في هذا المدخل، وهو أن العبد لا يجد ملجأً في ضره وبؤسه غير مولاه «الهي من لي غيرك اسأله كشف ضري والنظر في أمري».

وفي الفقرة الخامسة من هذا المدخل اعترافان:

اعتراف بالسيئات.

واعتراف بأن لا حجة للعبد على الله فيما خالف من حدوده واحكامه وركب من اهواءه وشهواته.

وفي الفقرة السادسة والاخيرة من هذا المدخل حيث اعترف العبد بذنوبه ومعاصيه وببؤسه وشقائه، وأعلن أن لا مفر له من الله ولا ملجأ منه إلاّ إليه وطلب من الله أن لا يؤاخذه بسوء افعاله وجرائمه وجرائره، بعد هذه الجولة من التضرع والمسكنة بين يدي الله يعلن العبد أنه قد رجع الى مولاه معترفاً بذنوبه، نادماً منها، منكسراً مستقيلاً، عالماً أنه لا مفر له من الله إلاّ إليه، ولا مفزع له في ضره وبؤسه إلاّ الله.

«وقد اتيتك يا الهي بعد تقصيري واسرافي على نفسي معتذراً، نادماً، منكسراً، مستقيلاً، مستغفراً، منيباً، مقراً، مذعناً، معترفاً، لا أجد مفراً مما كان مني، ولا مفزعاً اتوجه إليه في امري غير قبولك عذري، وادخالك اياي في سعة رحمتك».

وبهذا ينتهي المدخل.

وقد اشرف العبد على التحرك للمثول بين يدي الله والدعاء والتضرع، واعلن ذلك بقوله: «وقد اتيتك».

وتبدأ المرحلة الثانية من الدعاء، وفي هذه المرحلة يذكر الامام الوسائل التي يتوسل بها الى الله في هذه المرحلة، وهي أربعة وسائل كما افهم.

والوسيلة الاولى هي سابق فضله ورحمته بعباده وحبه لهم «يا من بدأ خلقي، وذكري، وتربيتي، وبرّي، هبني لابتداء كرمك وسالف برك بي».

والوسيلة الثانية حبنا له وتوحيدنا اياه «اتراك معذبي بنارك بعد توحيدك، وبعد ما انطوى عليه قلبي من معرفتك، ولهج به لساني من ذكرك، واعتقده ضميري من حبك، وبعد صدق اعترافي ودعائي خاضعاً لربوبيتك».

والوسيلة الثالثة ضعفنا عن تحمل العذاب ورقة جلودنا ودقة عظامنا «وانت تعلم ضعفي عن قليل من بلاء الدنيا وعقوباتها وما يجري فيها من المكاره على أهلها على أن ذلك بلاء ومكروه قليل مكثه، يسير بقاؤه، قصير مدته، فكيف احتمالي لبلاء الاخرة وجليل وقوع المكاره فيها... الهي وربّي وسيّدي، لاي الامور اليك اشكو، ولما منها اضج وابكي، لاليم العذاب وشدته، أم لطول البلاء ومدته».

والوسيلة الرابعة التي يتوسل بها الامام الى الله في هذا الدعاء هو لجوء العبد الابق الى مولاه الذي ابق منه وعصاه، واستعانته به، واستنجاده منه عندما تنقطع عليه الطرق، ولا يجد لنفسه ملجأً إلاّ الى مولاه.

ويصور الامام هذه الوسيلة أروع تصوير في هذه الكلمات «فبعزتك يا سيدي ومولاي اُقسم صادقاً لئن تركتني ناطقا لاضجن اليك بين أهلها ضجيج الاملين، ولاصرخن إليك صراخ المستصرخين، ولابكين عليك بكاء الفاقدين، ولاُنادينك أين كنت يا ولي المؤمنين، يا غاية آمال العارفين، يا غياث المستغيثين، يا حبيب قلوب الصادقين، ويا اله العالمين».

وتنتهي المرحلة الثانية من هذا الدعاء الشريف بتقديم هذه الوسائل الاربعة، وتوسل العبد بها الى الله لاجل الدعاء والسؤال، ولطلب الوقوف بين يديه سائلاً وداعياً.

والان ندخل مع علي(عليه السلام) المرحلة الثالثة من هذا الدعاء الشريف وفي هذه المرحلة ـ بعد أن توسل الامام الى الله بالوسائل الاربعة ـ يعرض حاجاته ومطالبه على الله واحدة بعد الاخرى، وهذه الحاجات تبدأ من نقطة الحضيض حيث يكون العبد وعمله، وتنتهي الى نقطة القمة حيث يكون طمع العبد وطموحه في سعة رحمة مولاه.

في نقطة الحضيض نقول: «أن تهب لي في هذه الليلة وفي هذه الساعة كل جرم اجرمته، وكلّ ذنب اذنبته، وكل قبيح اسررته».

وفي نقطة القمة نقول: «واجعلني من احسن عبيدك نصيباً عندك واقربهم منزلة منك واخصهم زلفة لديك» والحاجات التي يطلقها الامام من خلال هذه الفقرات أربعة طوائف:

1 ـ الطائفة الاولى أن يهب الله لنا ذنوبنا ولا يؤاخذنا بسيئاتنا، ويتجاوز عما فعلناه من سوء واقترفناه من جريمة وارتكبناه من قبيح «أن تهب لي في هذه الليلة وفي هذه الساعة كل جرم اجرمته، وكل قبيح اسررته، وكل جهل عملته، كتمته أو اعلنته، اخفيته أو اظهرته، وكل سيئة امرت بإثباتها الكرام الكاتبين الذين وكلتهم بحفظ ما يكون مني، وجعلهتم شهوداً على مع جوارحي».

وفي الطائفة الثانية يستنزل الامام رحمة الله في كل شأن وفي كل رزق، ويطلب من الله تعالى أن يوفر حظّه من كل خير ينزله، «وأن توفر حظّي من كل خير انزلته، أو بر نشرته، أو رزق بسطته».

وهو دعاء شامل واسع لا يخرج منه شيء من رحمة الله.

والطائفة الثالثة وهي أطول فقرات هذا الدعاء وتأخذ أكثر اهتمام الامام من الدعاء (علاقته بالله).

فيطلب(عليه السلام) من الله تعالى أن يجعل اوقاته عامرة بذكره، وموصولة بخدمته، وأن يرزقه الجد في خشيته، ويُدنيه منه ويقربه إليه، ويرزقه جواره «أسألك أن تجعل اوقاتي من الليل والنهار بذكرك معمورة، وبخدمتك موصولة... قوِّ على خدمتك جوارحي، واشدد على العزيمة جوانحي، وهب لي الجدّ في خشيتك والدوام في الاتصال بخدمتك، حتى أسرح اليك في المبادرين، واشتاق الى قربك في المشتاقين، وادنو منك دنو المخلصين، واخافك مخافة الموقنين، واجتمع في جوارك مع المؤمنين».

ولابدّ أن نوضح أن الطائفة الاولى والطائفة الثالثة من فقرات الدعاء كلها تخص علاقة العبد بالله، الاّ أنّ الطائفة الاولى سلبيه، يهتم فيها العبد بطلب مغفرة ذنوبه والتجاوز عنها; والطائفة الثالثة ايجابية يهتم فيها بإقامة علاقته مع الله على أساس متين من الاخلاص والخوف والخشية والحب والشوق.

وفي الطائفة الرابعة من المطالب يطلب فيها الامام من الله أن يجنبه كيد الظالمين ومكرهم وشرهم، ويرجع مكرهم الى نحورهم، ويحفظه من ظلمهم وأذاهم.

«اللّهم ومن ارادني بسوء فأرده، ومن كادني فكده».

«واكفني شر الجن والانس من اعدائي».

هذه خلاصة موجزة وسريعة لاطار وهيكل هذا الدعاء الشريف.

ولابدّ لهذا الاجمال من تفصيل وشرح.

الوسائل الاربعة في دعاء كميل:
والان نتحدث عن الوسائل الاربعة في دعاء كميل، وهي الفصل الثاني من هذا الدعاء الشريف.

والوسيلة الاولى: سابق بره وكرمه وفضله بعبده. وإذا كان في عمل العبد وجهده عجز وقصور يحجبانه عن الله، فإن سابق فضله تعالى ورحمته بعبده يشفع للعبد الى الله.

فإن سابق فضله ورحمته تعالى بعبده دليل على حب الله لعبده. وهذا (الحب الالهي) هو الوسيلة التي يقدمها العبد بين يدي حاجاته الى الله، فإنه إذا كان لا يستحق رحمة الله تعالى فإن حب الله تعالى له يؤهله لرحمته وفضله، ويضعه في موضع الاجابة، يقول الامام في هذه الوسيلة:

«يا من بدأ خلقي وذكري وتربيتي وبري، هبني لابتداء كرمك وسالف برك بي».

فقد بدأنا بالبر والذكر والخلق والتربية قبل أن نسأله تعالى، ودون أن نستحق هذا البر والذكر، فأولى به تعالى أن يبرنا ويكرمنا ونحن نسأله ونطلب منه، وإذا كانت سيآتنا ومعاصينا تحجبنا عن برّه ورحمته، فإن حبّه لنا يشفع لنا عنده، ويضعنا في مواضع بره ورحمته.

والوسيلة الثانية: حبنا له، وهو وسيلة ناجحة كحبّه لنا، فقد توسّل الامام(عليه السلام) الى الله تعالى في الوسيلة الاولى بحبّه تعالى لنا، ثم توسل بعد ذلك بحبّنا له وهو سيلة ناجحة ومؤثرة عند الله كحبّه لنا. فإن للحب قيمة كبيرة لاتضاهيها قيمة عند الحبيب، ومهما شككنا نحن في شيء، فلا نشك في حبّنا لله تعالى، واوليائه والحبّ بضاعة لا يردها الله تعالى.

وفي سياق هذه الوسيلة يأتي توحيدنا له تعالى وخشوعنا بين يديه، وصلاتنا وسجودنا وذكرنا وشهادتنا واعترافنا له بالربوبية، وعلى انفسنا بالعبودية.

ونرجع ذلك كله الى اثنين: الى حبّنا له، وتوحيدنا ايّاه، ونحن على يقين أن (الحب) و(التوحيد) بضاعتان لا يردهما الله تعالى. ومهما شككنا في شيء فلا نشك ولا نتردد لحظة واحدة في هذا ولا ذاك.

يقول الامام(عليه السلام) في التوسل بهذه الوسيلة:

«اتراك معذبي بنارك بعد توحيدك، وبعد ما انطوى عليه قلبي من معرفتك، ولهج به لساني من ذكرك، واعتقده ضميري من حبّك، وبعد صدق اعترافي ودعائي خاضعاً لربوبيتك».

وفي التعليق على هذه الفقرة من الدعاء تحضرني قصة:

يقال: إن يوسف(عليه السلام) لما آتاه الله الملك والسلطان في مصر كان يطل ذات يوم على المدينة من شرفة بيته، وكان معه على الشرفة عبد صالح من عباد الله ممن آتاه الله علماً ونوراً، فمر شاب من تحت الشرفة عابراً، فقال ذلك العبد الصالح ليوسف(عليه السلام): أتعرفه؟ قال: كلاّ.

قال: هذا هو الطفل الذي شهد ببراءتك يوم اتهمتك امرأة العزيز.

(وشهِدَ شاهدٌ من أهلهِا إنْ كانَ قميصُه قُدَّ مِن قبُل فصَدقَتْ وهُو مِن الكاذبينَ * وإنْ كان قميصُه قُدَّ من دبُر فكَذبَتْ وهُو من الصادقينَ).

وقد بلغ ذلك الطفل الرضيع الذي شهد لك في المهد مبلغ الشباب، وهو ذا.

فاستدعاه يوسف(عليه السلام)، وأجلسه الى جنبه وأكرمه وخلع عليه، وبالغ في اكرامه. وذلك العبد الصالح ينظر الى ما يصنع يوسف(عليه السلام)متعجباً.

فقال له يوسف(عليه السلام): أتعجب مما صنعت بهذا الشاب؟ فقال: لا، ولكن هذا الشاب لم يكن له من الجميل عندك غير الشهادة لك بالبراءة، وقد أنطقه الله تعالى بها، ولم يكن له من فضل في ذلك، ومع ذلك فقد أكرمته بهذه الصورة وبالغت في اكرامه.

فكيف يمكن أن يحرق الله بالنار وجه عبد طال سجوده بين يديه، أو يحرق قلب عبد، انطوى على حبه، أو يحرق لساناً طالما ذكره، وشهد بتوحيده، ونفي الشرك عنه؟!

والامام(عليه السلام) يقول بهذا الصدد:

«وليت شعري يا سيدي والهي ومولاي، أتسلط النار على وجوه خرت لعظمتك ساجدة، وعلى السن نطقت بتوحيدك صادقة، وبشكرك مادحة، وعلى قلوب اعترفت بإلهيتك محققة، وعلى ضمائر حوت من العلم بك حتى صارت خاشعة، وعلى جوارح سعت الى اوطان تعبدك طائعة، واشارت باستغفارك مذعنة... ما هكذا الظن بك، ولا اخبرنا بفضلك عنك يا كريم».

والوسيلة الثالثة: ضعفنا عن تحمل العذاب، ورقة جلودنا، ودقة عظامنا، وقلة صبرنا وتحملنا. والضعف وسيلة ناجحة الى القوي المتين، وفي كل ضعف ما يجذب القوي، ويستعطفه، ويكسب عطفه ورحمته.

وإن في الضعف سراً يطلب القوي دائماً، وفي القوة سر يطلب الضعيف دائماً، فكل منهما يطلب الاخر.

وإن الطفل الرضيع في ضعفه يطلب حنان الاُم، كما أن حنان الاُم يطلب ضعف الطفل ورقته.

وليس سلاح امضى لدى القوي من البكاء والرجاء الذي هو وسيلة الضعيف وسلاحه. يقول أمير المؤمنين علي(عليه السلام) في هذا الدعاء:

«يا من اسمه دواء، وذكره شفاء... ارحم من رأس ماله الرجاء، وسلاحه البكاء».

إن رجاء الفقير للغني رأس ماله، وإن بكاء الضعيف لدى القوي سلاحه، ومن لا يفهم سنن الله تعالى في الكون في علاقة الضعيف بالقوي والقوي بالضعيف، لا يفهم هذه الفقرات المؤثرة من كلام الامام(عليه السلام) في دعاء كميل.

يقول الامام علي بن أبي طالب(عليه السلام) في مناجاة له اخرى:

«انت القوي وانا الضعيف وهل يرحم الضعيف إلاّ القوي».

والامام(عليه السلام) في هذا الدعاء يتوسل الى الله تعالى بضعف العبد، وقلة حيلته، وسرعة نفاد صبره وتحمله، ورقة جلده، ودقة عظمه.

يقول(عليه السلام):

«يا رب ارحم ضعف بدني، ورقة جلدي، ودقة عظمي».

وإننا لتشوكنا الشوكة، وتمسّنا الجمرة، ويلم بنا المرض إلمامة خفيفة في الدنيا فتسلبنا النوم والراحة والقرار والاستقرار، وهو بلاء قصير مدته، خفيف وزنه، جعله الله تعالى لامتحان عبادة واختبارهم وابتلائهم رحمة بهم، فكيف بنا إذا سِقنا الى العذاب الاليم وقيل لملائكة العذاب: (خُذوه فغُلّوه * ثُمَّ الجحيمَ صَلّوه * ثُمَّ في سِلسلة ذَرْعُها سَبعونَ ذِراعاً فاسلكُوه)[237].

يقول الامام: «وأنت تعلم ضعفي عن قليل من بلاء الدنيا وعقوباتها، وما يجري فيها من المكاره على اهلها، على أن ذلك بلاء ومكروه قليل مكثه، يسير بقاؤه، قصير مدته، فكيف احتمالي لبلاء الاخرة وجليل وقوع المكاره فيها، وهو بلاء تطول مدته، ويدوم مقامه، ولا يخفف عن أهله، لانه لا يكون إلاّ عن غضبك وانتقامك وسخطك، وهذا ما لا تقوم له السموات والارض. يا سيدي، فكيف لي وانا عبدك الضعيف الذليل الحقير المسكين المستكين، يا الهي وربي وسيدي ومولاي».

والوسيلة الرابعة التي يتوسل بها الامام(عليه السلام) في هذا الدعاء هي اضطرار العبد الى الله، والاضطرار وسيلة ناجحة الى من يضطر إليه الانسان، ولا يجد إلاّ عنده نجاح حاجته.

واقصد بالاضطرار ألاّ يجد العبد موضعاً لقضاء حاجته إلاّ عند الله، ولا مهرباً إلاّ إليه، ولا مجلأً إلاّ عنده، وعندما يكون فرار العبد وهروبه من الله، ولا يجد ملجأ ومهرباً يلجأ إليه ويحتمي به إلاّ الله، يكون هذا المشهد من ادعى المشاهد الى استنزال رحمة الله تعالى ورأفته.

إن الطفل الصغير لا يرى في عالمه الصغير غير امّه وأبيه من يحميه ويدافع عنه ويقضي حاجته ويلبي طلباته، ويمنحه من رحمته وعطفه، فيأنس بوالديه، ويجد عندهما في اُفقه الصغير كل مطالبه وما يحتاج إليه من الرحمة والرأفة والشفقة، فإذا المت به ملمة، وإذا نابته نائبة، وإذا خاف من شيء لجأ الى أبيه وأمّه، ووجد عندهما الامن والرحمة والشفقة، وقضاء حاجته، والامن مما يخاف منه.

فإذا كان قد ارتكب ما يستحق العقوبة منهما، وخافهما على نفسه، نظر الى يمينه ويساره فلم يجد من يلجأ إليه، ولا من يهرب منه، ولا من يجد عنده الامن إلاّ هما، فيلجأ اليهما ويلقي بنفسه في احضانهما مستغيثاً بهما، وهما يريدان عقوبته ومؤاخذته.

وهذا المشهد من أكثر المشاهد التي تستدر عطف الوالدين وتكسبه حبهما وعطفهما.

والامام(عليه السلام) في هذا الدعاء الشريف يشير الى هذا المعنى، فهو قد تعلّم في اُفقه الواسع الكبير أن يلجأ الى الله تعالى في كلّ شيء، وكلّما ألمّت به ملمة، أو نابته نائبة، أو داهمته مصيبة فزع الى الله ولم يجد لحاجته قضاء، ولا لما يلم به مفزعاً غير الله. وها هو يرى العبد قد تعرّض لغضب الله تعالى الذي يرجو رحمته، ولعقوبة الله الذي يرجو الامن من عنده.

فلا يرى، وقد تعرض العبد لعقوبة الله ملجأ له غير الله، ولا مهرباً يهرب إليه غير الله تعالى، ولا من يحتمي به ويسأله غيره تعالى.

فيضجّ إليه تعالى وقد ساقه ملائكة العذاب الى جهنم، يطلب من الله الامن، ويعوذ برحمته من غضبه، ويستغيثه، ويستصرخه، ويطلب الرحمة لنفسه منه تعالى، كالطفل الذي يتعرض لغضب والديه فلا يفر منهما إلاّ اليهما، ولا يجد من يحتمي به منهما إلاّ هما.

ولنسمع الامام(عليه السلام) في هذه الكلمات الشفافة الرقيقة التي تعبر عن روح التوحيد والدعاء:

«فبعزتك يا سيدي ومولاي أقسم صادقاً لئن تركتني ناطقاً، لاضجن اليك بين أهلها ضجج الاملين، ولاصرخن اليك صراخ المستصرخين، ولابكينّ عليك بكاء الفاقدين ولاُنادينك أين كنت يا ولي المؤمنين، يا غاية آمال العارفين، يا غياث المستغيثين، يا حبيب قلوب الصادقين، ويا إله العالمين».

وهذا هو الوجه الاول من القضية. والوجه الثاني كالوجه الاوّل في البداهة والوضوح في علاقة الله تعالى بعبده.

فقد كان الوجه الاوّل يتلخص في علاقة العبد بالله في اضطراره إليه ولجوئه إلى امنه ورحمته.

والوجه الاخر في علاقة الله تعالى بعبده عند ما يحتمي بحماه وامنه، ويستغيث برحمته ويهرب منه إليه، ويستصرخ رحمته وفضله وهو يتعرض لعقوبته وانتقامه.

فهل يمكن أن يسمع الله تعالى، وهو ارحم الراحمين، استغاثة عبد ساقه جهله وطيشه الى نار جهنم، يستغيثه، ويستصرخه، ويناديه بلسان أهل توحيده، ويسأله النجاة من النار، ويضج إليه... فيتركه في عذابها يحرقه لهيبها، ويشتمل عليه زفيرها، ويتقلقل بين اطباقها، وتزجره زبانيتها، وهو تعالى يعلم صدقه في حبه له، وتوحيده له، ولجوئه إليه، واضطراره إليه.

فاستمع إليه:

«أفتراك سبحانك يا إلهي وبحمدك تسمع فيها صوت عبد مسلم سجن فيها بمخالفته، وذاق طعم عذابها بمعصيته، وحبس بين اطباقها بجرمه وجريرته، وهو يضج اليك ضجيج مؤمل لرحمتك، ويناديك بلسان أهل توحيدك، ويتوسل اليك بربوبيتك، يا مولاي فكيف يبقى في العذاب، وهو يرجو ما سلف من حلمك، أم كيف تؤلمه النار وهو يأمل فضلك ورحمتك، ام كيف يحرقه لهيبها وأنت تسمع صوته وترى مكانه، أم كيف يشتمل عليه زفيرها وأنت تعلم ضعفه، أم كيف يتقلقل بين اطباقها وأنت تعلم صدقه، أم كيف تزجره زبانيتها وهو يناديك يا ربه، أم كيف يرجو فضلك في عتقه منها فتتركه فيها، هيهات ما ذلك الظن بك، ولا المعروف من فضلك، ولا مشبه لما عاملت به الموحدين من برك واحسانك».



--------------------------------------------------------------------------------

[221] دار السّلام للشيخ النوري 3: 200.
[222] علل الشرائع 2: 51.
[223] أصول الكافي2: 272.
[224] بحار الانوار93: 376.
[225] معاني الاخبار: 270.
[226] معاني الاخبار: 271.
[227] أصول الكافي3: 373.
[228] النازعات: 2.
[229] نقلنا هذا الحديث بطوله عن كتاب عدة الداعي 228 ـ 230، والتعليق أيضاً من نفس الكتاب «عن سليمان خالد قال: سألت ابا عبداللهعليه السلام عن قول الله عزّوجلّ: وقدِمْنا إلى ما عمِلوا مِن عَمل فَجعَلْناهُ هَباءً منثوراً. قال: أما والله وإن كانت اعمالهم اشد بياضاً من القباطي ولكن كانوا إذ اعرض لهم حرام لم يدعوه». قال في مرآة العقول: «وفيه دلالة على حبط الطاعات بالفسوق; والاحباط عبارة عن ابطال الحسنة بعدم ترتب ما يتوقع منها عليها، ويقابله التكفير وهو اسقاط السيئة بعدم جريان مقتضى ما عليها».
[230] بحار الانوار7: 290 ـ 291.
[231] الاسراء: 57.
[232] المائدة: 35.
[233] فاطر: 10.
[234] النساء: 64.
[235] وسائل الشيعة4: 1139، ح: 8844 .
[236] عدة الداعي: 38.
[237] الحاقة: 30 ـ 32.

__________________
[frame="7 80"]
[glow=FFFF33][glow=FF9900]نسألـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــك م الدعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء[/glow][/glow]
[/frame]

لجين غير متصل  

قديم 27-02-03, 12:05 AM   #2

قطرات الندى
...(عضو شرف)...  







رايق

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مشكوره اختي لجين

الصور المرفقة
 
__________________
:(الدموع قطرات لكنـــــهـــا الكلمات :(

قطرات الندى غير متصل  

قديم 27-02-03, 03:16 AM   #3

المنار
...(عضو شرف)...

 
الصورة الرمزية المنار  







رايق

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مشكورة اختى وثبتنا الله واياكم على ولاية امير المؤمنين عليهم السلام

__________________
حرف و نزف ..

مؤلمـاً حقـاً
" عندما تكتم أخطاء غيرك خوفاً عليهم ووفاء منك لهم ..
وتصطدم بأن أخطاءهم نُشرت بين الناس على أنها أخطاءك أنت ..
وهم .. طاهرون من الخطأ !
"

المنار غير متصل  

قديم 27-02-03, 03:07 PM   #4

starnoor2000
عضو فعال

 
الصورة الرمزية starnoor2000  






رايق

قلب شكرا


موضوع جميل ومفيد جدا

شكرا اخت لجين ...

نور

starnoor2000 غير متصل  

قديم 01-03-03, 12:05 PM   #5

كاتمة الاحزان
عضوه ذهبية  







رايق

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مشكورة اختى وثبتنا الله واياكم على ولاية امير المؤمنين عليهم السلام

__________________
** أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم لجميع ظلمي وجرمي وإسرافي على نفسي وأتوب اليه**
اللهم صلى على محمد وآل محمد


مأجــــــــورين ومــــــثابـين

نسألكم الدعاء

كاتمة الاحزان غير متصل  

 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

قوانين وضوابط المنتدى
الانتقال السريع

توثيق المعلومة ونسبتها إلى مصدرها أمر ضروري لحفظ حقوق الآخرين
المنتدى يستخدم برنامج الفريق الأمني للحماية
مدونة نضال التقنية نسخ أحتياطي يومي للمنتدى TESTED DAILY فحص يومي ضد الإختراق المنتدى الرسمي لسيارة Cx-9
.:: جميع الحقوق محفوظة 2023 م ::.
جميع تواقيت المنتدى بتوقيت جزيرة تاروت 11:19 PM.


المواضيع المطروحة في المنتدى لا تعبر بالضرورة عن الرأي الرسمي للمنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك
 


Powered by: vBulletin Version 3.8.11
Copyright © 2013-2019 www.tarout.info
Jelsoft Enterprises Limited