السلام عليكم من المؤكد أن الجميع قرأ ولو جزء بسيط عن الجزيرة الحبيبة احببت أن يقرأ الأخوة ما كتب عن الجزيرة وتاريخها وذلك من خلال مقاله نشرت في صحيفة الجزيرة تحت عنوان
تاروت الجزيرة التي تحارب من أجلها العظماء
كتبها - حسين بالحارث
من يعود إلى تاريخ المنطقة الشرقية وشواهدها الأثرية لابد له ان يعرج على جزيرة تاروت التي تحتضن قلعة تاروت الشهيرة.. فالجزيرة تعتبر بكاملها موقعا أثريا من المواقع الهامة في المملكة كما انها أيضا من أهم مواقع الاستقرار الحضاري كما جاء في تقرير أعدته الإدارة العامة للآثار والمتاحف عن أعمال التنقيب التي أجرتها في الجزيرة في العام 1411هـ حيث أثبتت الدراسات الأكاديمية استمرارية الاستقرار منذ البدايات الأولى للاستقرار الإنساني.
فبالإضافة إلى تلك القلعة الشامخة رغم أنف عوامل التعرية والاندثار وصمودها منذ نحو خمسة قرون فإن الجزيرة غنية بالآثار مما سنأتي على ذكر بعضه في هذا السياق.
فقد تم بناء قلعة تاروت في الجزيرة بين عامي 1515، 1521م ولكن من غير المعروف حتى الآن من الذي بناها رغم ترجيحات بعض بحاثة الآثار من ان أهالي القطيف وتاروت بنوها لتحميهم من هجمات البرتغاليين إبان غزواتهم إلا ان بعضا آخر من البحاثة يرى ان الغزاة البرتغال هم الذين بنوها لتحميهم من هجمات الأتراك ضدهم إلا أنهم اضطروا لتسليم القلعة عام 1559م وخرجوا من تاروت إلى جزيرة أوآل (البحرين).
مدفن فريد يعود لفترات ما قبل الإسلام وحمام باشا بين البرتغاليين والأتراك
ومن الثابت تاريخيا ان قلعة تاروت شيدت على أنقاض مستوطنات سابقة تعود إلى خمسة آلاف سنة مضت.
وكانت القلعة (كما يذكر) محاطة بسور مشيد بخامات من المواد الأولية الطبيعية كالطين والجص والحجارة وهو سور يشبه في تصميمه شكل جسم حيوان السرطان ويتراوح سمك هذا السور من الأسفل إلى الأعلى ما بين مترين ونصف إلى متر أما ارتفاعه فيصل إلى تسعة أمتار وعلى جوانبه وزواياه يشاهد بروز احد عشر برجا عاليا ذات أسنان وأفاريز وتتصل بجسور ممتدة على طول هذا السور وهي ممرات سرية كانت تستخدم في أوقات الحرب.
مدفن فريد «مصطاب مصري»
ومن الآثار الأخرى بجزيرة تاروت مدفن فريد يعود لفترات ما قبل الإسلام بأحد تلال الجزيرة وقد اكتشف المدفن منذ سنوات واعتبر فريدا من الناحية المعمارية حيث بني بالحجارة البحرية (حجارة الفروش) والمونة الطينية اللزجة غير المحروقة ويقول تقرير فريق التنقيب ان بالمدفن بعض آثار لياسه جصية وأُتقن بناؤه من الخارج مدرجا من الجهة الجنوبية والشمالية ثلاثة مدرجات ومن الجهة الشرقية والغربية بعدد اثنين مدرجات من كل جهة يأخذ المدفن اتجاه الشرق والغرب ومدرج أيضا من الداخل مما يعتقد ان التدرج.. حوامل أو عقود سقفية حيث انها على منسوب متساوٍ وهذا الأسلوب البنائي يوضح الاستخدام الأمثل لاستغلال المدفن في عمليات الدفن الإفرادي بحيث يكون مدفنا جماعيا على هيئة طابقين مستقلين كل واحد يضم دفنا مستقلاً وتظهر الدلائل طبقات الدفن ومدى إمكانية هذا الافتراض.
ويخلص تقرير فريق البحث إلى ان البناء يشبه إلى حد ما المصاطب المصرية المنتمية إلى الألف الثالث قبل الميلاد ويبلغ طول المدفن 70 ،3م وعرضه من الداخل 65 ،1م وعرضه من الخارج 40 ،3م.
وغير ذلك فإنه يوجد بالجزيرة عدد من المواقع الأثرية المعينة من قبل الإدارة العامة للآثار والمتاحف في بلدة تاروت وهذه المواقع تضم شواهد تنتمي إلى الألف الثالث قبل الميلاد وربما دعمت التكهن بوجود استقرار إنسان أقدم رغم انه لم يعثر على آثار تنتمي إلى حضارة العبيد بجزيرة تاروت وهي الحضارة التي تم توثيقها في مواقع عدة بالمنطقة الشرقية وبخاصة مواقع ساحلية قرب واحة القطيف جنوب الجبيل في الدوسرية قرب رأس الغار ومحطة تحلية المياه.
ويقول الباحث علي صالح المغنم وهو اخصائي آثار اشرف على أعمال التنقيب في الجزيرة وعدد من المناطق الأثرية بالمنطقة الشرقية «ان مواقع العبيد صنفت بمراحل أربع تؤرخ الألف الخامس والرابع قبل الميلاد (4500 - 3500ق.م) واعتقد ان الجزيرة تضم شواهد للاستقرار الحضاري خلال العصور الثلاثة التي سبقت الكتابة (3500 - 3000ق.م) وعصور فجر الأسرات - وهذه الفترات التاريخية التي تم توثيقها في دراسات بوادي الرافدين وعرفت بأسماء المواقع التي اكتشفت فيها واكتشف ما يماثلها ويتزامن معها بمنطقة الخليج العربي كموقع ام النصي في واحة يبرين (85كم جنوب حرض) ومواقع جنوب بقيق وبعض مواقع جنوب الظهران تماثل فترة السلالات (3000 - 2600ق.م) وقد استطاعت بعثات أثرية عملت بمنطقة الخليج العربي في الكويت والبحرين والمملكة والإمارات وعمان ان تكشف عن عناصر حضارية تدل على تماثل حضاري بين تلك المراكز الحضارية وأمكن الخلوص إلى التعرف على حضارة مملكة دلمون القديمة خلال مراحلها الثلاث المبكرة (2500 - 1750ق.م والوسطى 1700ق.م - 1250ق.م والمتأخرة 1200ق.م - 500ق.م) وبالتالي فلابد ان جزيرة تاروت كانت ميناء هاما ومركزا تجاريا خلال فترة ازدهار حضارة الجرهائيين بالساحل الشرقي للمملكة وقد ازدهرت تجارتهم البرية والبحرية وعرفوا بثرائهم المادي والحضاري خلال فترات تزامنت مع المد الحضاري الاغريقي وقد كتب المؤرخون الكلاسيكيون عن الجرهائيين وازدهار مركزهم التجاري وقد استمرت الجزيرة مزدهرة خلال الحقب التاريخية اللاحقة في فترة المد الحضاري الاغريقي والبارثي والساساني ولكن تميزت الجزيرة بطابعها المحلي كبقية المراكز الحضارية في الخليج وتاروت إحدى جزر مملكة دلمون في الجزء الغربي من الخليج».
ويختم الاستاذ المغنم كلامه بقوله: «ربما أثبتت الدراسات المستقبلية لموقع قلعة تاروت انه يضم معلما تاريخيا وسياحيا يماثل معبد باريار بدولة البحرين - فارتباط الموقع بالنبع المائي وأساسات البناء الضخم التي ترتكز عليها القلعة والدلائل الأثرية تشير إلى الأهمية التاريخية والسياحية للجزيرة».
حمام باشا محور خلاف
ومن المعالم الأثرية التي لا تزال باقية حتى الآن في تاروت (حمام باشا) والذي كان محور خلاف لأساس بنائه. فيرى البعض بأنه يرجع إلى عصر البرتغاليين مستدلين بأنهم سمعوا من أجدادهم بأن هذا الحمام كان موجودا قبل مجيء الأتراك. بينما يرى آخرون بأنه يعود إلى عهد الأتراك مستندين في ذلك على التسمية (حمام باشا) حيث يقولون بأنه قد بني بأمر من أحد باشاوات الأتراك وجعله مسبحاً خاصاً لجنده الذين كانوا يسكنون بالقرب من قلعة تاروت.
وقد كشفت لجنة الآثار عن أساسه وأبراجه وسلالمه لتقوم بعملية الترميم، وقد اكتشفت بئراً في فناء القلعة والتي يرى كبار السن بأنها كانت عميقة.
وفي دارين قلعة متداعية للشيخ محمد بن عبدالوهاب الفيحاني تطل على البحر، تعد من القلاع الجميلة ذات التصاميم الرائعة تم بناؤها عام 1303هـ إضافة إلى مجموعة من البيوت القديمة حوالي القلعة مبنية من الطين والحجارة ويعود معظمها إلى أكثر من ثلاثمائة سنة.
وفي طرف مدينة الرباط كان يوجد قصر ببرجه، شيد لاكتشاف تحركات الأعداء يسمى (قصر أبو الليف) وسمي البرج كذلك (برج أبو الليف) وهذا القصر ببرجه شبيه بقصر الدمام، وقصر عنك. وقد انمحى هذا القصر من الوجود.
لايزال هناك بقية
والجدير بالذكر ان معالم المدينة القديمة (الديرة) لاتزال واضحة وهي تحتاج إلى حفريات للكشف عن كنوزها التراثية، وإلقاء مزيد من الضوء على تاريخها، فأرضها مليئة بالقطع الفخارية الملونة، والمكسو بعضها من الداخل بطبقة زجاجية وفي باطن أرضها صخور أثرية وعملات نقدية لحضارات سلفت، ولو يجري لهذه المنطقة حفريات لانكشفت لنا آثار قد تميط اللثام عن حقائق تاريخية هامة تروي قصة الحضارات المتعاقبة التي شهدتها هذه الجزيرة.
عموماً جزيرة تاروت الغنية بالآثار تعتبر الجزيرة المركز لمجموعة جزر في خليج تاروت والذي كان يعرف بخليج كيبوس كما يذكر أحد أبناء الجزيرة وهو الاستاذ علي ابراهيم الدرورة أحد الإعلاميين المتخصصين في التراث ويقول ان الخليج سمي بتاروت نسبة إلى تاروت الجزيرة الأم وهي تتوسطه تقريبا مع نزوح للغرب بمحاذاة مدينة القطيف وتضم تاروت خمس قرى هي: تاروت ودارين وسنابس والربيعية والزور بالإضافة إلى عشرة أحياء متناثرة هي أشبه ما تكون بقرى صغيرة وهي: الدشة والجفرة والخارجية وأرض الجبل والجويز وفريق الأطرش والحوامي والحسينية والوقف وفخرية والبستان وتاروت الجزيرة يصل طولها (10كم) تقريبا وأقصى عرض لها هو (6كم) تقريبا ويسكن الجزيرة ما يقارب الخمسين ألف نسمة.
وتقع جزيرة تاروت شرق القطيف داخل خور واسع من البحر، يحيط به غربا ساحل القطيف وجنوبا ساحل الدمام وشمالا رأس تنورة الممتد إلى محاذاة الجزيرة من الشرق وتعتبر جزيرة تاروت أوسع الجزر الواقعة على شاطئ الخليج داخل المملكة بل أكبر جزيرة فيه بعد جزيرة البحرين.
السكان
يشتغل سكان تاروت في الأعمال البحرية والزراعية والحرف المرتبطة بهاتين المهنتين كحرفة صناعة الخوص والطين وذلك لحاجتهم منذ القدم إلى استخدام الجذوع والسعف والخوص في بناء البيوت والعشش والزنابيل والحصر والقفف والأبواب وكذا أدوات يعرفها أبناء الجزر في كل مكان لكسب القوت مثل السنارة والأدوات البحرية الأخرى مثل القراقير.
كما يقوم سكان تاروت بتصدير الفائض من التمور والأسماك والمنتوجات الزراعية إلى القطيف كما عرفوا صناعة السفن التي تسير بالشراع مستخدمين لها المجاديف كما ازدهرت فيها مهن وحرف كالنجارة والحدادة لارتباطهما بالزراعة والبحر إلى جانب المهن الأخرى.
الموانئ
يوجد حاليا فرضة مستغلة من قبل صيادي الأسماك وكان يوجد في جزيرة تاروت ثلاثة موانئ قديمة هي حسب الأهمية دارين، الزور، سنابس.
أما أهمها فهو ميناء دارين الذي اشتهر في العصور القديمة ويقول ياقوت الحموي عن هذا الميناء: دارين فرضة في البحرين ويجلب إليها المسك من الهند وكان ميناء دارين هو بمثابة أكبر ميناء في إقليم القطيف إلا ان أهمية هذه الموانئ انتهت بظهور موانئ كثيرة أبرزها الملك عبدالعزيز في الدمام والسبب في ذلك هو ان خليج تاروت ضحل في أغلب مناطقه لذلك من الصعب ان تسير فيه السفن العملاقة والبواخر التجارية الكبيرة كذلك لم يكن لجزيرة تاروت ممر يربطها باليابسة مما دعا الأمر إلى افتتاح موانئ قريبة هي في نفس الوقت عميقة ويمكن الرسو فيها بيسر وسهولة لجميع البواخر التجارية.
المصدر: جريدة الجزيرة
العدد: 10879