- القاعدة الأولى: الاعتدال العاطفي
في الصداقة، هل من الصحيح أن يكون الحب مفرطاً؟
وفي الخصومة هل من الصواب أن يكون البغض زائداً عن حد الاعتدال؟
بلا تردد، إنّ الاعتدال في الأمور هو الأسلوب الأفضل، وكما تقول الحكمة الشهيرة: "خير الأمور أوسطها". ومن الأمور العامة في الحياة حبّ الأصدقاء وودهم، والذي يجب أن يكون عميقاً وصميماً، وغير مفرط في نفس الوقت.
وتسأل:
إذا كانت الصداقة قائمة على الحب، والميل العاطفي، فما الحكمة في أن هذا الحب، وهذه العاطفة يجب أن يكونا خارجين عن حد الاعتدال والتوازن؟
وتكون الإجابة كالتالي:
1- مع وجود الصداقة، يحتمل أن يكون هناك تباغض أو افتراق. فإذا ما أفرط المرء في حب صديقه، فقد يحدث أن ينفصل هذا الأخير عن الأوّل، وبالتالي ينصدم الأوّل بشيء لم يتوقعه. أما إذا اعتدل الصديق في حبّه لصديقه، فإنّه بذلك يضع في حسابه أن صديقه – ولسبب ما – قد يبغضه.
2- الأمر الآخر أنّ الحب المفرط قد يتحول إلى حب أعمى، وإذا ما تحول إلى ذلك فإنّ الصديق يتعامل مع صديقه وكأنّه قديس، فلا ينصحه،
ولا يبين له أخطاءه، وهذا خلاف الصداقة الحقيقة.
3- أنّ الاعتدال في الحب، والتوازن العاطفي يجعل الإنسان معتدلاً في بغضه أيضاً، الأمر الذي يساعد على تخصيص مساحة احتياطية
من الحب تجاه البغيض، من أجل أن تعود المياه إلى مجاريها، واستمرار الصداقة في يوم من الأيام.
وفي هذه المعاني يقول الإمام علي (ع):
"أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وابغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما".
- القاعدة الثانية: اغتنام فرصة إقبال الناس:
إنك لتعلم أن لأكثر الطيور مواسم تقبل فيها، فعلى سبيل المثال: قد تغيب البلابل عن منطقة ما في فصل الشتاء، ولكنها مع إطلالة الربيع تبدأ بالخروج
أو الإقبال، فتملأ الأجواء تغريداً وألحاناً.
ومع إدراك هذه الحقيقة، فما الذي يفعله الصيادون من أجل الصيد؟
إنّهم ينتهزون فرصة موسم الطيور وإقبالها، فيتناولون أفخاخهم، وحبائلهم، ويتوجهون شطر الأماكن الخصبة للصيد، فيكون صيدهم سميناً.
وهكذا الحال بالنسبة للناس فهم يشبهون الطيور – إلى حد ما – في إقبالهم وإدبارهم. فإذا ما أقبل عليك إنسان أهل للمصادقة، فالجدير بك أن تغتنم فرصة إقباله عليك، دون أن تتردد في ذلك، فتصطاده كما يصطاد الصياد ظبياً لائحاً مقبلاً. وحال إقبال الناس عليك ضع في اعتبارك أنّ الشيطان قد يأتي إليك، ويهمس في أذنك قائلاً: أنك لست بحاجة إلى أصدقاء، فأنت غنيٌّ عنهم، فاحذر كيد الشيطان. أو قد تقول في نفسك: أنّ الناس يقبلون عليّ، ويرغبون في مصادقتي، ولكني لا أرغب في مصادقتهم، وهذا اختلاف المبادئ الحقيقية للصداقة التي تدعو الإنسان إلى التواضع،
واغتنام فرصة إقبال الناس، والإكثار من الإخوان والأصدقاء.
فإذا أردت أن تكون من المحظوظين السعداء، فلا تزهدن في من يرغب فيك، ويقبل عليك، واغتنم فرصة رغبته فيك، وإقباله عليك، وآخه وصادقه.
- القاعدة الثالثة: الاحتفاظ بالأصدقاء القدامى:
الأصدقاء القدامى كالتحف النادرة القديمة التي كلما تعاقبت عليها الليالي والأيام، ازداد الإنسان حباً فيها ومحافظة عليها. وهم كرأس المال الأوّل للإنسان. أرأيت إن كان لك رأس مال أولي، فإنك به تصنع استثماراتك الجديدة والمستقبلية؟
وإن كان الأمر كذلك، فهل من الحكمة أن يفرط في التحف النادرة، أو أن يتم التخلص منها بإهمالها، أو رميها؟
وهل من الصحيح أن يهمل الإنسان رأس ماله ويضيعه؟!
إنّ الصداقة مهما كانت قديمة فهي دائماً جديدة، كماء النهر فهو دائماً جديد. وأن أعجز العاجزين هو ذلك الذي لم يكتسب صديقاً له في الحياة،
وأعجز منه ذلك الذي اكتسب أصدقاء، ففرط فيهم، وضيعهم.
فهلا نكثر من الأصدقاء الجدد، ونحافظ على ما ظفرنا به من أصدقائنا القدامى؟.
- القاعدة الرابعة: استعمال الوصل في مقابل القطع:
أرأيت النحل في خلاياه؟
إنك لتجد حالة التواصل متمثلة في أعلى مستوياتها، فأفراد النحل وإن كانوا يزاحمون بعضهم بعضاً، ويستعملون نوعاً من الشدة فيما بينهم،
فيلسعون بعضهم بعضاً إلا أن حالة التواصل سرعان ما تعود فيما بينهم، وكأن شيئاً لم يكن.
وإذا كانت تلك شاكلة النحل، أفليس من الخليق ببني الإنسان الذين هم مكرمون على جميع الخلائق، ومتميزون عليهم بالعقول، أن يستعملوا أسلوب:
الصلة في مقابل القطيعة، والإحسان في مقابل الإساءة؟
إنّ الصداقة قد تتعرض لما من شأنه أن يسبب التقاطع، ولكن ما هو الأسلوب الأمثل لرأب الصدع؟
هل التمادي في الخصومة، والقطيعة، واللجاجة، أم تقديم الحب، والتنازل، والإحسان؟
وما من شك أنّه لا أفضل من أسلوب الوصل في مقابل القطع، والإحسان في مقابل الإساءة، فهو الأفضل في التعامل بين الأخوان والأصدقاء،
وبين عموم الناس. وعن طريق هذا الأسلوب يحقق المرء عدّة أمور:
1- أنه لا يدع فرصة للأغلال النفسية أن تعشعش في نفسه، وفي نفس صديقه المتقاطع معه، فينسفها نسفاً.
2- تقديم التنازل، وبالتالي التحكم في الأنا، والابتعاد عن التعصب الأعمى.
3- عودة الصداقة إلى مرافئها.
- القاعدة الخامسة: الإصلاح بين الأصدقاء:
ما الذي تشاهد لو وضع أمام ناظريك كأس ماء هادئ، رسبت في قاعه حبيبات من التراب؟
ما تشاهده، هو رواق الماء، ولكن ماذا لو حركت الكأس تحريكاً خفيفاً، واهتزت حبيبات التراب، ألا ترى شيئاً من تلك الحبيبات تبدأ بالتقليل من صفاء الماء؟
وهكذا الحال بالنسبة للصداقة، فالأصل فيها هو الصدق، والحب، والانسجام، والوحدة، والإنفاق. كما تتوافق ذرات الماء الرائق مع بعضها البعض. ومع ذلك فقد يحدث اختلاف، أو سوء تفاهم بين صديقين – لسبب ما – لأنّ الإنسان ليس محفوظاً من أن يخطئ، وهو لا يتعامل مع تماثيل حجرية، وإنما مع بشر.
وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يتم التصرف حيال الاختلافات بين الأصدقاء؟
وكيف يتم الإصلاح بينهم؟
في كثير من الأحيان يتنازل الأصدقاء، ويمتصون الاختلافات التي قد تنشأ بينهم. وقد يكون التنازل من طرفين، وقد يكون من طرف واحد،
وبالنتيجة يعود الأصدقاء إلى الحالة الطبيعية الصافية كما تعود جزيئات الماء التي أصابها شيء من التعكر، إلى حالة الرواق.
ويعتبر الطرفان المختلفان هما المسؤول الأوّل عن إرجاع الصداقة إلى حالتها الطبيعية. أما لو لم يبادر أي منهما إلى الصلح وفض الاختلاف،
وفتح صفحة جديدة، فهنا يأتي دور الطرف الثالث في تقديم باقة من الورد، أو رفع غصن من الزيتون من أجل الإصلاح.
ووسيلة الإصلاح، الكلمة الطيبة، وذلك بأن تنقل كلاماً طيباً عن كل منهما للآخر، والكذب الأبيض، وكل وسيلة تؤدي إلى الإصلاح.
يقول الرسول الأعظم (ص):
"إصلاح ذات البيت أفضل من عامة الصلاة والصيام".
للكاتب : خليل الموسوي