أنختَ لي السقا والروحُ بيدُ
وعاطيتَ الجوى شبماً يهيُدُ
ومازجتَ الجديد بما تسنى
وإن يكُ فيكَ أرهقه القعودُ
أذابَ على الهدير له حنايا
وألقاها فما طمرتْ تعودُ
على جنبيكَ أغربَ كلُّ غربٍ
وآخرُ مشرقٌ وله ركودُ
وأودعَ فيكَ منتفضونَ وجداً
أمانتَهم وإن عزَّ الفقيدُ
ومنكَ لعارفونَ بأنَّ سراً
إليكَ بكنه خالقهم فريدُ
وإن لذاكريكَ فمٌّ يصلي
وفي لحضاتهم بصرٌ حديدُ
تمجُّ على المشيح دماً فيغدو
مُزاناً بالغنى وله خلودُ
فما سماك ربكَ حين سمى
حسيناً حيثُ يرسمك الوجودُ
وإن آمعنتُ في الحسن المفدي
رأيتُ خصالَكم آبداً تجودُ
فحاؤكَ حاؤه والحاء تعني
إلى العرش المجيد يداً تقودُ
ثمانيةٌ من الماضينَ تسري
بعرش الله أربعةٌ شهودُ
فنوحٌ والخليلُ وكفُّ موسى
وروحُ الله من شرفٍ يسودُ
وأربعةٌ سلاطينُ البرايا
على الدنيا جحاجيحٌ أسودُ
رسول الله والكرارُ فيهم
وكف الفرقدين بهم تزيدُ
وهئا خيرُ تصريحٍ مبينٍ
دليلٌ آنكَ الفدُ المجودُ
وآنتَ لوترهم ولأنتَ شفعٌ
يهيجُ لذكره الفجرُ الولودُ
ليالٍ فيكَ عشرٌ مرهفاتٌ
يطالعُ نجمَها جفنٌ سهيدُ
يعاشرُ سودَها حتى تراءت
إليه مصارعٌ حممٌ وسودُ
رأى منكَ الدمَ المهراقَ يجري
ويتبعُ سيلَه الأمدُ المديدُ
يمرٌّ بخاوياتِ الدهرِ حتى
يلابسُ عصرها ثوبٌ جديدُ
يجالسُ بائساً ويفكُ أسراً
ويطعمُ جائعاً وهو الزهيدُ
وألفى ليثَ هاشمَ مستميتاً
شباباً في محياهُ الورودُ
شبيه المصطفى خُلقاً وخلقاً
تموتُ بضلِّ صارمه ثمودُ
تجلى فيه أحمدُ فهو بأسٌ
هوت في قعر خندقه الجنودُ
متى ثقلَ السلاحُ به ليضمى
ويرجعَ واللسانُ به جمودُ
أرادَ لسانكَ الحرانَ ريقاً
حديدٌ حنَّ يرشفه الحديدُ
وعاينَ فارساً مازالَ طفلاً
ولم يذبلْ به في العمرِ عودُ
وريثُ المجتبى حُمدتْ خطاهُ
مشى للموتِ وهو له مريدُ
تخاطبُه وأنتَ عليه تخشى
لقد عزمتْ لمقتلكَ العبيدُ
وإنكَ بالضمى تزدادُ حراً
وإن الماءَ يمنعُه الحقودُ
فضعْ في ثغركَ المزدامِ فصاً
إليَّ فإنه نبعٌ مُجيدُ
وإنكَ يا سليلَ الحسنِ نخلٌ
وخاتمُ أصبعي طلعٌ نضيدُ
وراعكَ لامست كفاكَ كفاً
على رعشاتها الماءُ البرودُ
تصدر صولةُ العباس فيها
بأن تهوي وينتصر الشهدُ
يدٌ فراسةٌ سحقت عداها
،قد نضجت بقبضتها الجلودُ
فبذلها جلوداً كي يراها
تذوق عذابَه وبها صديدُ
كآن النهر غادر ضفتيه
وجاء لراحا زلفي يريدُ
وروعَ قلبَه أن رحتَ تمشي
وخلفَ ردائكَ الطفلُ الوليدُ
مشيتَ مصدقاً بالله قولاً
وكبشكَ في محاجره الصمودُ
كأنكَ قد رأيتَ به ذبيحاً
كأبراهيمَ ألهمه الودودُ
رميتَ أميةَ النكراء سبعاً
ولم يغويكَ شيطانٌ مريدُ
نشرتَ قماطَه فغدى سماءً
يلطخها من الشفق الوريدُ
وأعظمُ ما رأي حجراً مُشيناً
يحطمُ موضعاً فيه السجودُ
بكته الكعبةُ النوراء حزناً
وقالتَ مثله حجراً أريدُ
أواسي فيه فاطمةً وأشجي
علياً فالأسى بهما قعيدُ
فجاء المنجنيقُ لها برميٍ
وللفعلينِ مرتكبٌ يزيدُ
وأبصَر في السماء شعاعَ برقٍ
ورعدَ صواعقٍ هلعاً يُبيدُ
فهمَّ مسائلاً ما كان هذا
ومما ذلك الفزعُ الشديدُ
أتيتَ تجيبه وكشفتَ أمراً
خفياً ليس تدركه الحدودُ
وقلتَ البرق لهو بياضُ قلبي
يغوصُ خلالَه السهمُ الجحودُ
حوافرُ خيلهم طحنت ضلوعي
فتكسيرُ العضام هي الرعودُ
وشاهدَ زينبَ الحوراءَ تهفو
إليكَ وأنتَ معتفرٌ بديدُ
مشتْ في خطوها دهراً طويلاً
وبينك والطريقُ بها بعيدُ
فجسمك في السماء بدى طريحاً
وزينبُ في المسير لها صعودُ
فإن وصلت تراك ومنك نحرٌ
تقبله ملائكةٌ حشودُ
يصبغُّ جبرىيلُ به جناحاً
فمنه الوحي منتشرٌ سديدُ
ويصتعُ منه إسرافيلُ صوراً
يصيحُ لقد أتى الوعدُ الوعيدُ
هنا فزعتْ إليكَ بغيرِ حالٍ
ومن زفراتِها شُمختْ خدودُ
تنوحُ وتستجير وكم تدوُّي
عليكَ وأنتَ منتصرٌ سعيدُ
كذلك يصطفيك الله حتى
تخلدُّ ذكرَ مصرعك العقودُ
5/1/1433 -2011م