هذا الذي بين يديك أيها القارئ الكريم هو ملخص لأبحاث طرحها سماحة حجة الإسلام والمسلمين الأستاذ بناهيان تحت عنوان رؤية مناسبة للحصول على حياة هادئة ومتعادلة، ترجمته إحدى الأخوات الفاضلات ونقدمه هدية لجميع الأزواج الشباب آملين أن تكون هذه المبادرة خطوة في سبيل حفظ كيان الأسر المسلمة وسببا لسعادتها إن شاء الله.
رؤية مناسبة للحصول على حياة هادئة ومتعادلة
أفتتح الموضوع بذكرى عساها أن تكون مقدمة جيدة لطرح المواضيع القادمة. وهذه الذكرى و إن كانت شخصية، لكنها قد تكون مفيدة للجميع من بعض الجهات و يمكنها أن تشكل أصلا عاما مهما للدخول في المسائل المتعلقة بالمرأة و الرجل.
لقد أجرى العقد لنا أي أنا و زوجتي آية الله العظمى الشيخ بهجت (قدس سره). ثم طلبنا منه بعد العقد أن يقدم لنا بعض النصائح، فقال: "أنصحكم، لكن عندي نصيحة للرجل و نصيحة للمرأة" ثم قال: "عندما أنصح الرجل على المرأة أن تغلق أسماعها و إذا نصحت المرأة على الرجل أن يغلق أسماعه".
فتبسمنا لكلامه و حسبناه يمزح. فلم يمض شيء من الوقت حتى قال: "حسنا، من الذي يغلق أسماعه أولا لأنصح الآخر؟" فرأينا أن الموضوع جدّيا فرفعت يدي لأغلق سمعي، فقال: "لا حاجة الآن لغلق أسماعكم، لكن على كل منكما الاهتمام بنصيحته و لا علاقة له بنصيحة الآخر".
للأسف، نجد اليوم بعض التعاليم التي تطرح في مجتمعاتنا لتقوية بنيان الأسرة تعطي أثرها معكوسا، وقد تساعد على تضعيف هذا البنيان. لأن النصائح التي تخص الرجل تعطي للمرأة، والتي تخص المرأة تعطى للرجل، فتساعد على إثارة الإثنين وتحريضهما على المطالبة بحقهما من الطرف المقابل بشكل كامل.
طريقة الشيخ بهجت كانت على العكس من هذه الطريقة. إذ يقول: "على كل أن يسمع نصيحته الخاصة به و يقوم بالعمل بها ولا شغل له بنصيحة الطرف الآخر".
بالطبع أن هذه الطريقة، طريقة مدروسة ومستوحاة من الثقافة الدينية الخالصة. يروى عن أمير الؤمنين عليه السلام: "طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس"[نهج البلاغة/خ176/ص255] فعلى كل شخص التفكير بإصلاح نفسه لا أن يحصي عيوب الآخرين ويظهرها أمامهم.
أراد الشيخ بهجت أن ينبهنا بأن يسمع كلّ منا نصيحته، لكي لا يتبجح كل منا بنصيحة الآخر أمامه -فيما لو رأى منه عيبا أو حصلت منازعة لا سمح الله- ويقول له لماذا لم تسمع نصيحة الشيخ بهجت وتعمل بها.
عليكم أن تسمعوا هذه المواضيع التي تطرح في هذه الجلسات، كملاحظات مهمة لحياة الزوج الشاب بطريقة الشيخ بهجت (قدس سره). أي أن تسمع النساء ما يخصهن و أن يسمع الرجال ما يعنيهم. وعلى كل منهما الاهتمام بتطبيق نصيحته الخاصة به.
قد يحصل كثيرا بأن يذهب الشباب عند الخلافات التي تحصل بينهم وبين أزواجهم إلى المراكز الاستشارية؛ لكنهم لايذكرون إلا عيوب الطرف الآخر؛ امرأة كانت أم رجل، فهلا نقول لهم: "حسنا، أنت لم تذكر إلا عيوب زوجتك -أو بالعكس- فما هي عيوبك؟ لماذا لم تنظر إلى نقائصك؟".
فلو اشتغل كلّ بنفسه واهتم في كشف عيوبه، يسعى في زوالها، لتحولت الدنيا إلى دنيا جميلة جدا. لكن لو راقب كلّ صاحبه ولا يرى إلا عيوبه، ستتحول الدنيا إلى دنيا كريهة لاتطاق. وقد يمكن القول بأن عصارة الثقافة الغربية هي: "على كل شخص أن يراقب غيره".
وعصارة ثقافتنا الدينية الخالصة هي "على كل شخص أن يراقب نفسه".
نعم، إن ثقافة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي ظاهرها مراقبة سلوك الآخرين والتدخل في أمورهم، لها معنى جميل ويختلف تماما عن هذا المعنى سنتطرق له في محله.
هاتين الرؤيتين تختلف إحداهما عن الأخرى تماما ولكل منهما آثارها الخاصة بها. ومن الأفضل تخصيص جلسات منفصلة لتبيين الفروق المترتبة على هاتين الرؤيتين. لكي يمكننا بالتحليل الفاحص لجزئياتهما أن نظهر للعالم تفوق الثقافة الإسلامية الأصيلة على الثقافة الغربية المنحطة.
كم هو رائع لو سعينا لتطبيق كل كلام جميل -عند سماعنا له- على أنفسنا وأن نعمل به، لا أن ننتظر من الآخرين إجراءه وتطبيقه. عندما يسمع البعض كلاما عن المحبة ويستشعر على أثر هذا الكلام حلاوتها في قلبه، يبدأ بالسعي وراء هذه المحبة للحصول عليها من الآخرين. لكن البعض الآخر عندما يسمع هذا الكلام يرغب في أن يحبّ الآخرين ويغدق عليهم بالمحبة قبل أن يتوقع المحبة من الآخرين؛ فالبعض يسعى للحصول على زوجة يشعر بالراحة معها، في حين يسعى البعض الآخر للحصول على زوجة ليجعلها مرتاحة معه. يسعى البعض للحصول على زوج يكون متواضعا أمامه؛ ويسعى البعض الآخر للحصول على زوج ليتواضع أمامه. وهاتين النظريتين مستنبطة من ثقافتين مختلفتين جدا.
لقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: «الْكَرِيمُ يَفْتَخِرُ بِفَضْلِهِ، وَ اللَّئِيمُيَفْتَخِرُ بِمِلْكِه». [نزهة الناظر وتنبيه الخاطر/ص93] فهاتان رؤيتان، مستوحاة من اتجاهين ونظريتان مختلفتان. ومن الواضح أن الاتجاه الأول أجمل ويُضفي على من اختاره حياة هادئة ومتعادلة.
يبع إن شاء الله...