ولدت فاطمة الزهراء (عليها السلام) بعد مبعث النبي (صلى الله عليه وآله) بخمس سنين، وولادتها ثمرة شجرة النبوة وقد أذن الله لدوحة الرسول أن تمدّ فروعها. سماها النبي (صلى الله عليه وآله) فاطمة وهو اسم مشتق من الفطام، وقد سميت به الكثير من النساء في ذلك الوقت.
روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إني سميت ابنتي فاطمة لأن الله عز وجل فطمها وفطم من أحبها من النار) (سنن الترمذي: ص550).
وفطرة الزهراء وطينتها لا يمكن أن تتسامى إليها امرأة في العالم، حتى أن مريم وآسية وخديجة وحواء ومن أشبه من سيدات النساء (عليهن الصلاة والسلام) لا يصلن إلى فضيلة الزهراء الذاتية والتي ترتبط بطينتها وخلقتها(1)، وكما يقول الشاعر:
إن قيل حواء***قلت فاطم فخرها
أو قيل مريم***قلت فاطم أفضل
أفهل لحوا والد كمحمد***أو هل لمريم مثل فاطم أشبل
[ALIGN=CENTER]أسماءها وكناها [/ALIGN]
لم تقتصر أسماءها ولم تنحصر (بفاطمة والزهراء)، بل لها أسماء عديدة أخرى ولها كنى تنبئ عن أوصافها وفضائلها الكثيرة فإليك قائمة بذلك وهي بعدد حروف بسم الله الرحمن الرحيم، تسعة عشر اسماً وكنية كما يلي:
1ـ فاطمة (عليها السلام): سمّاها الله بذلك. روي أنها سميت بذلك لأن الله قد فطم من أحبّها من النار. وقيل لأنها فطمت من الشر.(2) وقيل لأنها فطمت بالعلم(3).
2ـ منصورة (عليها السلام):سمّاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك أولاً.
3ـ الزهراء (عليها السلام): سمّيت بذلك لأن نورها زهر لأهل السماء وفي المحراب.
4ـ الصديقة (عليها السلام): لأنها لم تكذب قط.
5ـ المباركة (عليها السلام): لظهور بركاتها.
6ـ الطاهرة (عليها السلام): لشمولها آية التطهير.
7ـ الزكيّة (عليها السلام): لأنها كانت أزكى أنثى عرفتها البشرية.
8ـ الراضية (عليها السلام): لرضاها بقضاء الله وقدره.
9ـ المرضيّة (عليها السلام): لأن الله سيرضيها بمنحها حق الشفاعة.
10ـ المحدّثة (عليها السلام): لأن الملائكة كانت تحدثها.
* روي أن الملائكة كانت تحدث مريم بنت عمران و(فاطمة) أفضل من مريم لأنها سيدة نساء العالمين كما في الحديث، وقال أحدهم: لا أعدل ببضعة النبي شيئاً.
* الله عز وجل أوحى إلى أم موسى وإلى الحواريين فما المانع أنه تعالى أوحى إلى (فاطمة).
* وقد روي أن مصحف (فاطمة) جمع فيه كلام الملائكة التي كانت تحدث فاطمة.
* عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: مصحف (فاطمة) فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات (أي من ناحية الحجم)... إلى أن قال: ولكن فيه علم ما يكون.(4)
11ـ البتول (عليها السلام): لأنها تبتلت عن دماء النساء.
12ـ أم أبيها (عليها السلام): كناها بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله).
13ـ أم الأئمة (عليها السلام):لأنها والدة الأئمة الأحد عشر.
14ـ الحانية (عليها السلام): لأنها كانت تحن حنان الأم على أبيها النبي وبعلها علي وأولادها (عليهم السلام) والأيتام والمساكين.
15ـ كوثر (عليها السلام): كما سماها الله جل وعلا في القرآن في سورة الكوثر.
16ـ الحوراء (عليها السلام): لأن النبي (صلى الله عليه وآله) قال هي الحوراء الإنسية، (ولأن نطفتها تكونت من ثمار الجنة.
17ـ بضعة النبي: لأن النبي (صلى الله عليه وآله) وصفها بذلك.
18ـ سيدة النساء: لأن النبي (صلى الله عليه وآله) وصفها بذلك.
درجت فاطمة في بيت النبوة وترعرعت في ظلال الوحي ورضعت حب الإيمان ومكارم الأخلاق وعرفت بكثرة عبادتها وتبتلها وهي لم تزل صبية فسميت (البتول)، وكانت تزهر ويتلألأ نورها من عبادتها وارتباطها بالله عز وجل فسميت (الزهراء).
وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) عندما سئل عن سبب تسمية فاطمة بالزهراء فقال: (لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض)(5).
وسميت (الطاهرة) لطهرها وعفافها وكذلك سميت (الصديقة) لشدة صدقها فهي بنت الصادق الأمين (صلى الله عليه وآله).
[ALIGN=CENTER]الزهراء مع النبي (صلى الله عليه وآله) [/ALIGN]
كانت فاطمة (عليها السلام) عزيزة على النبي (صلى الله عليه وآله) وبلغ حبّه لها أقصى ما يمكن أن يبلغه حب إنسان لإنسان، ولم تكن أبوّته لها هي وحدها مصدر هذا الحب العظيم بل كانت هناك عوامل عديدة زادت النبي (صلى الله عليه وآله) تعلقاً بابنته وحباً لها. منها: أنها كانت وحيدته بعد أن فقد الأولاد واحداً بعد واحد, ومن يتتبع أخبارها يبدو له أن فاطمة (عليها السلام) ذات شخصية متفوقة، وذكاء فكري، وحسن تفهم للأمور وتحمل للشدائد، وإدراك لظروف المجتمع الذي تعيش فيه.
وقد كان وقوفها إلى جنب أبيها في مطلع الدعوة وهي لا تزال صغيرة السن وقوف المرأة الراشدة البالغة لا وقوف الفتاة اليتيمة التي فقدت أمها فأصبحت عبئاً على أبيها كما يحدث في مثل هذه الحالات. وقوف الفتاة التي تدرك ظروف أبيها وتعلم خطر الرسالة التي يدعو إليها، وتعرف ما يحيط به من شدائد وأهوال وعداوات. وما يحتاج إليه من مخلصين ومناضلين أكفاء، يشاركونه حمل الأعباء الضخمة التي بات يحملها.
لهذا تناست فاطمة (عليها السلام) أنها صغيرة السن، يتيمة الأم، محتاجة لمن يرعاها في بيتها ويقوم على شؤونها، وصممت على أن تقف إلى جنب أبيها وقوف المرأة الصلبة القوية العزيمة، المضحية براحتها ورفاهيتها، لا وقوف البنت المدللة التي تزيد أبيها تعباً على تعبه، وأن أي فتاة أخرى غير متمتعة بسجايا فاطمة (عليها السلام) ومرّت بها ظروف فاطمة (عليها السلام) لكانت بالفعل في مثل ذلك السن عبئاً وهماً على أبيها.
ولكن فاطمة (عليها السلام) الطفلة صارت ربة بيت أبيها (صلى الله عليه وآله) بعد وفاة أُمها (عليها السلام) تكفيه التفكير بمشاغل بيته، ثم صارت عضداً له في الشدائد، فحين يبلغها أن أباها تعرّض لأذى قريش تركض إليه ركض اللبوة وتقف إلى جانبه مدافعة عنه، ثم تأخذ بيده مزيلة عن جسده ما ألقته عتاة قريش عليه، أو تضمد جراحه بيديها مترفعة عن ضعف النساء في هذه الحالات، مثبتة لأبيها أن إلى جانبه بطلة مكافحة لا طفلة مدللة.
[ALIGN=CENTER]جهادها في سبيل الله [/ALIGN]
لقد واكبت الصديقة (عليها السلام) رسالة الله تعالى منذ صغرها ولم تألو جهداً من أجل رفع راية الحق وإظهار دين الله ولو كره المشركون، حيث أنها واكبت تطورات الموقف العصيب الذي فرضه المشركون على الرسول (صلى الله عليه وآله) والرسالة في مكة المكرمة، وتحملت ما تستطيع النهوض به من المسؤولية.
فعن عبد الله بن مسعود قال: بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس، وقد نحرت جزور بالأمس، فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا بني فلان فيأخذه فيضعه في كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم فأخذه، فلما سجد النبي (صلى الله عليه وآله) وضعه يبن كتفيه، قال: فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل على بعض.. حتى انطلق شخص فأخبر فاطمة (عليها السلام) فجاءت وهي جويرية طفلة صغيرة فطرحته عنه، ثم أقبلت على المشركين تلومهم، فلما قضى النبي (صلى الله عليه وآله) صلاته رفع صوته، ثم دعا عليهم(6).
وكانت الزهراء (عليها السلام) تضمد جراح رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد غزوة أحد، فكانت تغسل الدم وكان علي ابن أبي طالب (عليه السلام) يسكب عليها بالمجن، فلما رأت فاطمة (عليها السلام) أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رماداً ثم ألصقته بالجرم فاستمسك الدم(7).
ومن الجدير بالذكر أن الزهراء (عليها السلام) قد عاشت الحصار مع بني هاشم في شعب أبي طالب، وقاست معهم آلامه ومضايقاته، وهي يومئذ في سن مبكرة كما أنها (عليها السلام) قد تحملت مرارة الهجرة بعد هجرة أبيها إلى المدينة المنورة حيث صحبت أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) في هجرته إلى المدينة.
وهكذا فالمرأة المسلمة مدعوّة للإقتداء بالزهراء (عليها السلام) في الذود عن الرسالة، والدفاع عن مبادئها، والتبشير بها في إطار البيت أو المدرسة والمجتمع. ففي حياة الصديقة (عليها السلام) غنى وخصوبة في مضمار الجهاد في سبيل الله وحمل مسؤولية الدعوة إلى دينه.
[ALIGN=CENTER]زواجها (عليها السلام) [/ALIGN]
كانت حياة الزهراء (عليها السلام) في بيت الزوجية مثلاً أعلى ودرساً مليئاً بالعبر والقيم الإنسانية العليا، فقد عاشت في بيتها المتواضع سعيدة راضية صابرة على قساوة الحياة وتشارك زوجها (عليه السلام) في جهاده وتعينه في مراحل الدعوة الصعبة، فقد ورد عن علي (عليه السلام): (لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان) حتى كان أمير المؤمنين عندما يخاطبها يقول لها: (سيدتي فاطمة)، وعندما يخرج عنها يرجع القهقري.
وكانت تعتني بشؤون منزلها وتدير حاجاتها بجهودها فلم يكن لها عبيد ولا خدم فكانت تتكبد العناء في إدارة البيت وكان الإمام علي (عليه السلام) يشاركها في أعمالها أحياناً ويهون عليها متاعبها وربما ساعدها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو الذي أحاط علياً وفاطمة بعد زواجهما بتوجيهه وعنايته فعاش الزوجان في ظل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتحت كنفه ورعايته.
وهذه الصورة العائلية توضح لنا صور الحياة التعاونية في علاقة الرجل بالمرأة وعظمة التواضع عند قادة الإسلام، فلقد خبر الزوجان الحياة وعرفاها جهاداً وكفاحاً وتيقنا بأن العمل شرف وجهاد فعمل ورضى، ضاربة بذلك مثلاً عن تواضع القيادة وتعودها على العيش بمستوى الطبقات الفقيرة، ففاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) لا فرق بينها وبين غيرها إلا بالتقوى.
وقد أثمر هذا الزواج الميمون بولادة الحسن والحسين (عليهما السلام) ثم زينب الحوارء الكبرى، وأخيراً زينب الصغرى المسماة أم كلثوم. وقد احتل الحسنان من نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) موقع الولد في قلب الوالد الحنون، وكانت هذه العلاقة علاقة نسب وروح ومبادئ وأهداف سامية فهي علاقة النبوة بالإمامة وعلاقة حفظ الشريعة وقيادة الأمة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله)، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (كل ولد أب فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم)(8).
[ALIGN=CENTER]سياسة الزهراء (عليها السلام) [/ALIGN]
ويتبين مما سبق أن فاطمة الزهراء (عليها السلام) أصبحت مصدر إلهام وطموح للمرأة المسلمة المعاصرة ، إن دور فاطمة الزهراء (عليها السلام) في خدمة أبيها النبي محمد (صلى الله عليه وآله) بعد وفاة أمها خديجة وقد استحقت لقبها (أم أبيها).
وعندما تزوجت علياً (عليه السلام) وأصبحت أماً للحسن والحسين وزينب وأم كلثوم فإن دورها السياسي تركّز في تربية أولادها ليقوموا بأدوار قيادية فيما بعد. ولاشك أنه دور مهم في التأهيل السياسي فقد أصبح ولداها فيما بعد إمامين يدافعان عن حق الخلافة في بيت النبوة.
لقد كانت العائلة وحدة اجتماعية أساسية في المجتمع القبلي ولذا فإن النشاط في داخلها يجب أن يعتبر سياسياً كما هو اجتماعي. وحتى حين كانت الزهراء (عليها السلام) ترعى شؤون بيتها شاركت في الأحداث الجارية آنذاك.
وبعد رحيل النبي (صلى الله عليه وآله) ساندت الزهراء علياً (عليه السلام) في ما اعتبرته حقه في الخلافة وأعلنت موقفها وكان لها حوار مشهور مع اثنين من أصحاب النبي: الخليفة الأول والثاني. ولم يكن ذلك موقفاً شخصياً لامرأة تساند زوجها بل كان موقفاً سياسياً لم تقم بإخفائه أو الاحتفاظ به لنفسها.
وقصتها مع أبي بكر حول إرثها في (فدك) مؤشر آخر على موقفها القوي في السياسة العامة. فقد رفضت قرار أبي بكر وطالبت بما هو حق لها. ومع أن ذلك لم يغير من موقف أبي بكر فقد كان مؤشراً على شجاعتها وإصرارها على الدفاع عن وجهة نظرها.
ثم استخدمت الجهاد السلبي مع أعدائها حيث أوصت بإخفاء قبرها بعد موتها، وبقي قبرها مخفياً إلى هذا اليوم، حتى ظهور حفيدها (عجل الله تعالى فرجه) ويكشف عن هذه الحقيقة(9).
وهي كعضو في العائلة والأمة على علم بمسؤوليتها وواجباتها وحقوقها، لم تكن ابنة محبة أو زوجة وأماً بل كانت كذلك مواطنة شجاعة ونشيطة. إن قصة حياة فاطمة (عليها السلام) يجب أن تُصبح نموذجاً للمرأة المسلمة في عصرنا هذا لتتعلم منها الدرس فتصبح زوجة صالحة، وأماً مُحبّة، وعضواً ناشطاً في المجتمع.
[ALIGN=CENTER]شهادتها (عليها السلام) [/ALIGN]
وبعد أيام كمد مدتها خمس وسبعون يوماً، لاقت فيها (عليها السلام) شتى صنوف الألم النفسي والجسدي، حيث رأت ظلم القوم لزوجها وقلة ناصريه وحيث الهم الأكبر الذي تجسد في فقدان الأمة لأبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبداية محاولات تضييع تعاليمه السامية فكانت تنتظر هذا اليوم الذي بشرها به أبوها الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وكانت بحق رسول الوصي إلى النبي لتخبره بما جرى من ظلم القوم عليها وعلى زوجها أمير المؤمنين (عليه السلام).
وكانت ليلة الشهادة كما أوصت (عليها السلام) بعلها أمير المؤمنين أن يغسلها ويكفنها ويصلي عليها وحده مع من أوصت بالصلاة عليها من خلص أتباع أمير المؤمنين كسلمان والمقداد وعمار، وأن يدفنها ليلاً سراً دون علم بقية الصحابة، لئلا ينالوا شرف الصلاة عليها وتشييعها ودفنها. فهذه الفضيلة لا ينالها إلا من خلص إيمانه كأمثال سلمان والمقداد.
وفي صباح اليوم التالي جاء القوم، ينادون يا علي أين أصبحت فاطمة فأخبرهم أنه دفنها ليلاً، فاستنكروا عليه هذا الفعل الذي حرمهم شرف هذه الفضيلة، وهددوا بنبش القبر، وأرادوا فعل ذلك ولكن أمير المؤمنين (عليه السلام) ضيّع أثر القبر، وضيّع عليهم انتهاك حرمة رسول الله. وهكذا انتهكوا حرمة فاطمة قبل وفاتها، وأرادوا انتهاك حرمتها بعد وفاتها.
[ALIGN=CENTER]المصادر [/ALIGN]
1ـ فاطمة الزهراء (عليها السلام) أفضل أسوة للنساء ص13، الإمام الشيرازي.
2ـ علل الشرائع.
3ـ علل الشرائع.
4ـ الكافي، البحار، ج22.
5ـ عيون أخبار الرضا: ج2، ص 181.
6ـ أخرجه البخاري في كتاب (بدء الخلق): باب ما لقي الرسول (صلى الله عليه وآله) وأصحابه من المشركين.
7ـ نفس المصدر.
8ـ الطبري: ذخائر العقبى: ص121
9ـ فاطمة الزهراء، أفضل أسوة للنساء ص31، الإمام الشيرازي.