المجدد الشيرازي وثورة الكتابة
بقلم : هادي الحيدر
سلطان المؤلفين الامام الراحل
لقد كان سائداً وعبرتاريخ المرجعية الدينية الشيعية أن مراجع الدين والمجتهدين على حدٍ سواء كانوا لا يشتغلوا في تأليف الكتب الا التي كانت تهم شريحة النخب المثقفة وطلبة العلوم الدينية ..
حتى جاء المجدد الثاني الامام الشيرازي قدس سره والذي شكل ثورة ثقافية حقيقية فكتب والف لجميع الشرائح وعلى كافة المستويات العلمية والفئات العمرية وفي مختلف الميادين .
لقد جاءت كتابات الامام الشيرازي مختلفة في مستوياتها وعمقها العلمي , فمن مؤلفات بسيطة وسهلة وسلسة يفهها الناشئ ورجل الشارع العادي إلى كتابات معقدة الالفاظ جزلة المعنى قوية التركيب لايسع فهمها وتناولها واستيعاب ابعادها الا النخب وطلبة الحوزات العلمية واساتذتها .
لقد كتب الامام الشيرازي للطفل كما كتب للناشئة وللشاب الجامعي وإلى طلائع ونخب الامة من شرائح المثقفين من اكاديميين ومفكرين ومصلحين وساسة إلى طلبة الحوزات العلمية واساتذتها ومجتهديها , فكما كتب للفرد فقد كتب للاسرة وللمجتمع وللدولة وللعالم اجمع .
ولقد كان لبعض كتابات الامام الشيرازي البسيطة والتي كانت تهتم ببعض الشرائح المهمة في المجتمعات الشيعية دور كبير في نشر الفكر الاسلامي المحمدي الاصيل وخلق حالة التدين بين صفوف هذه الشرائح المهملة , والتي لم تجد كثير من الاجيال التي سبقتها والتي مرت بنفس مرحلتها من يسد فراغها الثقافي في تلك المرحلة ويغذي فكرها من ابجديات تتناسب مع مرحلتها التي تمر بها .
ولان الامام الشيرازي لم يكن أول قارورة تكسر في الاسلام كما يحلو للبعض التعبير بذلك عن حالة الامام الشيرازي , فقد استغل بعض الجهال بعض من مؤلفاته جهلاً منهم بمضمون الهدف من تلك المؤلفات , ليطعنوا في المستوى العلمي للامام الشيرازي متذرعين بإن مستوى تلك الكتب ماهو الا من قبيل مستوى خربشات طالب لم ينهي مرحلة التمهيدي بعد , لكونهم لم يتعودوا كما لم يكن سائداً ان ينزل مرجع دين عن مستواه العلمي في الكتابة ليكتب لفئة معينة بمستوى وعيها الفكري .
ناسين أو متناسين الهدف ومستوى الفئة التي من أجلها قد تم اعداد وتأليف هذا الكتاب أو ذاك , وهذه من الامور التي تؤكد على قصر النظر وضيق الافق لذى هؤلاء .
عندما يكتب الامام الشيرازي قصة أحد الانبياء لطفل في الثامنة من عمره كيف تريد ان تكون لغة الكتابة لذلك الطفل ؟
ولو يعلم امثال هؤلاء كم من الوقت والجهد الذي يبذله عالم الدين في استخراج حكم شرعي لكفوا السنتهم امام موسوعته الفقهية , ولكن اذا ما اراد الله نشر فضيلة طويت لشخص ما اتاح لها لسان حسود كي يبرزها, وكيف بها وهي غير مطوية !! .
يقول عنه سماحة العلامة الشيخ كامل حاتم* " ويميزه عمن سواه في تفكيره النير السديد مؤلفاته القيمة الفائقة كماً وكيفاً وإنه كان يصدر الفتاوى التي تتناسب وتتفق مع حال العصر الحديث وحضارته الحاضرة ويصح لنا ويحق لنا أن نطلق عليه المرجع الديني المجدد " .
وفي حق موسوعته الفقهية يقول آية الله الدكتور السيد فاضل الميلاني " لم نجد في كتب الفقه القديمة المتوفرة لدينا باباً اسمه السياسة , ولم نجد باباً اسمه البيئة , ولم نجد باباً أو فصلاً أو جزءاً اسمه علم الاجتماع , ولم نجد باباً اسمه الاقتصاد , ولم نجد أي نوع من هذا التناغم والتلائم والانسجام الطبيعي بين موضوعات الفقه باعتبار أن الفقه يحدد تصرف الإنسان المسلم وسلوكه تجاه كل مفردة من مفردات الحياة , فما من واقعة إلا ولله فيها حكم, وإذا كنا بهذا الحكم , بأبعاده الوضعية والتكليفية وبأبعاده المختلفة , يلزمنا أن نعرف الحلال والحرام والواجب والمحظور والمندوب والمكروه وماهو مباح وسائغ , ثم نعرف سلم الأوليات , فهذا مايعني به الفقيه المجتهد ..
وبحق أقول : قلما نرى كتاباً مستقلاً عن النظام السياسي في الإسلام , لاعلى أنه فصل في الفقه , ونرى دراسات للمشكلة المعاصرة والمشكلة الاجتماعية ومعاناة الإنسان المسلم تجاه هذه المشاكل , وفي كتاب آخر وفي دراسة مستقلة , أما الفقيه الوحيد الذي ألحق أبواب الاقتصاد والاجتماع والسياسة والحكومة والبيئة وكل هذه النماذج بأصول الفقه , فإن ذلك من مزايا ومختصات الإمام الراحل الذي نؤبنه في هذه الليلة " .
كما ويقول الدكتور السيد محمد الثقفي في شأن تعداد رموز علماء الشيعة والذي يرى بأن الامام الشيرازي هو من بين أحد اقطابها والذي يتفرد بموسوعته الفقهية دون غيره من العلماء " لقد تصدى الكثير من علماء الشيعة , كل على انفراد , وكل في مجاله العلمي الخاص , لتأليف الموسوعات العلمية في التاريخ , أو علم الرجال , الحديث , الفقه , وغيرها , فألف العلامة السيد محسن الأمين دائرة معاف (أعيان الشيعة ) , والعلامة الاميني موسوعة ( الغدير ) , وآية الله الخوئي ( معجم رجال الحديث ) , وصاحب الجواهر ( جواهر الكلام ) ... وغيرهم ... إلا انه لايوجد من بين علماء الشيعة من كتب في جميع مجالات الفقه بفروعه وأبوابه , وجميع البحوث الاسلامية الآخرى , سوى آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي ( قدس سره ) , وفي نظرة سريعة إلى مؤلفاته , يتبين مدى اطلاع وقدرة هذا العالم الكبير على التأليف , وطول باعه في جميع المجالات العلمية المختلفة ,
فقد بلغت موسوعته الفقهية أو مايطلق عليها دائرة المعارف الفقهية الإسلامية فقط 150 مجلداً , طبع منها 120 مجلداً , ولايزال 30 مجلداً آخر محفوظاً .. " .
هذا هو الامام الشيرازي الذي عرفناه من خلال الف وخمسمائة رائعة , ثورة حقيقية في عالم الكتابة والتأليف فحق لمن سماه بسلطان الكتاب والمؤلفين وحق لمن رأى فيه المجدد الحقيقي لهذا العصر .
.......................
* سماحة العلامة الشيخ كامل حاتم هواحد العلماءالشيعة العلويين الموقعين على البيان التاريخي لتشيع العلويين الصادرعام 1973 م والذي كان ببركة جهود الشهيد السعيد السيد حسن الشيرازي وبتوصية من اخيه الامام المجدد الثاني آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي كما يذكر الشهيد في مقدمتة للبيان وهذه احدى ثمار وانجازات امامنا العظيم والذي ببركاته يدين اليوم أكثر من اربعين مليون علوي في العالم بالمذهب الاثنى عشري لأهل البيت عليهم السلام ولهذا احببنا الاشارة .